في أفق خطاب العرش، وترجمة اللحظة المغربية الآن! : سياسة القرب ….مع العالم والصعود الاقتصادي

عبد الحميد جماهري
لن ينكر أي محلل، مهما كانت بصيرته قاصرة، أن المغرب تجاوز العتبة التي تجعل منه شريكا اقتصاديا قويا، له وضعه الاعتباري، في مجال تتكلم فيه الأرقام، من جهة الاستثمارات، والناتج الوطني الخام، وتتكلم فيه المعطيات من جهة الثقة الخارجية فيه، والتواجد في الفضاءات الاقتصادية الحيوية، من الاتحاد الأوروبي إلى إفريقيا، في مستقيم عمودي، يوجد المغرب في قلبه لتصحيح العلاقة، ولمعالجة اختلالات الشراكات وأيضا لوضع البدائل الجنوب جنوبية.
أولا، تبين أن التوجه الملكي نحو استعادة الفضاء الاستراتيجي الإفريقي بوضوح في الرؤية تتجاوز الاحتكام إلى وزن المغرب الاقتصادي..
ولابد لمقاربتها استحضار كونه مخاطبا موثوقا في قضايا الأمن، وفي مهام الأممية المتعددة، ذلك إضافة إلى الوساطة الإقليمية، كما في ليبيا، ويضيف كل الباحثين في الاقتصاد قبل غيرهم وجوده في التقاطع الجغرافي، بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء، ومنطقة المينا، مما يخول له لعب هذا الدور الإقليمي الإفريقي، ويجعل المغرب دولة راشدة استراتيجيا وناضجة للقيام بمهمتها، بكل عقلانية ومردوية براغماتية، وهو ما عبر عنه أحد الباحثين الأفارقة بعبارة «في ذلك، يلجأ المغرب إلى تشبيك جيوستراتيجي بين الاقتصادي والديني والأمني والثقافي «إلخ…
ولعل الجانب الملموس في ديبلوماسية القرب، التي ينهجها جلالة الملك، كما في العديد من الدراسات العاقلة، منحه الفرصة في تنويع اقتصاده وربح التنافسية، حتى مع دول كانت إلى أمس قريب تتعامل مع القارة كمحمية أو حديقة خلفية.. ولعل من العناصر الحيوية في هذا الباب، وجود أفق سياسي واستراتيجي واضح للدولة وقائدها، هو القضية الوطنية، بما تتطلبه من تعبئة وقدرة على تحديد الأولويات بناء على قاعدة أخلاقية وسياسية وحضارية مصبها ومنبعها الصحراء والوحدة الترابية.
وفي الوقت ذاته، يعتمد المغرب استراتيجية اقتصادية واضحة، لخلق الثروة وتوزيعها عبر هندسة الدولة الاجتماعية، والسيادة المتعددة الأطراف، ويحسن بنا هنا أن نستحضر العديد من العتبات التي وضعها الملك في خطب سابقة، ومنها عتبة تقوية النموذج الأمثل في استثمار الثروة البشرية والعلمية والثقافية لمغاربة العالم، التي أثبتت انخراطها الرمزي والمادي ومنه الرياضي، كما كانت موضوع خطاب ملكي، وعتبة للتأهيل المؤسساتي للاستثمار ومحاربة الفساد، بكل تلاوينه، لا سيما المعطل للاستثمار.. وفي الانتقالات الضرورية، المناخية والطاقية والرأسمال الرمزي، الذي يستجوب هبة وطنية كبرى تعطي للثقافة كل الإمكانيات لتوظيف مخزونها الإيجابي في دعم الاقتصاد الوطني وانعكاساته الإيجابية على قطاعات واسعة من الشعب المغربي..
في قلب الآلة الاقتصادية المغربية المغامرة هناك الاستجابة للمعايير الدولية ( تكريس موقعنا خارج اللائحة الرمادية، وتحسين ترتيبنا في المؤشر الدولي للرشوة)، وتقليص مساحات الريع في النسيج الوطني، والاقتصاد غير المهيكل حيث تعشش «اللادولة».
أمام المغرب، بمبادرة من الملك المصلح، خطاطةُ عمل وفلسفةٍ حية من خلال النموذج التنموي الجديد، والذي يوجد رئيس لجنته في قلب العمل الحكومي ذي العلاقة مع الدولة الاجتماعية واقتصاد المعرفة…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 24/07/2023