في إرث اليوسفي واستعماله المغرض 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لماذا لا تقلدوننا في هذا الشيء الجميل فينا؟

من إرث اليوسفي أن نتكلم ونكتب بلباقة وبلغة تشكل لوحدها مشهدا سياسيا
في السياسة التي كانت عنده، في ناحية من نواحي الاجتهاد الاشتقاقي وصناعة البلاغة،
مشهدا لغويا بامتياز..
لماذا يتفاجأون بكون الوصية ليس فيها أي خدش أو لطخة؟
لماذا يتفاجأون، وعو ض أن يشعروا بقليل من الحاجة الى التأمل، يشعرون بضرورة أن يشككوا الأب في أبنائه؟
ولا يريدون أن يُقروا أنهم ظلوا غرباء عن البيت كله؟
كتابة الوصية، ليست عملا للمرح، عندما يكون على الراحل أن يقدم حياة مليئة من المعاناة والمكابدة
بل هو عمل لأجل التاريخ..
مهم جدا أن نذكر الجميع:
عندما تم الحديث عن التعويضات ما بعد الخدمة أو التقاعد،
لم يجد الأستاذ عبد الإله بنكيران من دفاع سوى أن قال إن الجميع، بمن فيهم اليوسفي بالتخصيص، أكرمهم ملك البلاد.
ولم يتابع، ولعلنا قد نجازف بالقول إنه لم يتوقف كثيرا عما كتبه اليوسفي عن علاقته بالمال ما بعد الخدمة:
وهو اليوم يملك الفرصة للنظر في الإرث، وما جناه وما تركه…
ليتهمنا من يشاء بما يشاء، ليأخذ، فقط من الإرث اليوسفي
تفكيره في المال العام عموما
ورسائل الفعل المجدي،
ويرث منه ما يجب أن يرث..
ولما بدأ الحديث عن النظام الانتخابي،
رافع الدكتور العثماني عن اللائحة، وقال إن اليوسفي قد جاء به، والاتحاديون في مصلحتهم ذلك،
يحسب له أنه يجد من مُحاوِر له غير إرث اليوسفي،
ولكنه كان عليه أن يتذكر كيف تصرف اليوسفي أمام اختيار حزبه نظام التصويت الفردي على الدورتين في موتمره السادس، وكيف مال هو إلى البديل اللائحي،
وكيف اختار التوافقات الكبرى
والباقي تركه وراءه..
الآخرون، لا سيما في أوساط الإعلام
ليتَهم يأخذون من الإرث أسلوب الرجل في ترتيب الأولويات السياسية لوطنه،
الذين يكتبون عن إرث اليوسفي
لا ليقولوا إنهم كانوا يحبون الرجل ويقيمون الدليل على أنهم كانوا كذلك، بل فقط لكي يضعوا الأب في نكاية مع ورثته..
إرث اليوسفي إنه هو من يذكرنا بتقشف عمر بن الخطاب
وبصرامة أبي ذر الغفاري
لا أبي ذر الرماد في العيون، باسم الثمن الذي يجب أن تدفعه الديموقراطية…
ومن إرث اليوسفي أيضا أن نقاشنا دوما بلغة راقية
وبلغة واضحة..
إرثه أيضا ذلك القبر البسيط، الذي صنع مع قبر عبد لله ابراهيم، ثنائية بليغة للحياة ببساطة الموت..
الذين يعتقدون، من باب إحراج الأبناء أن اليوسفي، كتب وصيته بعد تكييفها مع الحاجات الروحية للمنقذين كي يكون جيراننا في السياسة هم أهلنا في إرثه!
اليوسفي -يرحمه لله- لم يكتب الوصاية كرسالة يرسلها إلى نفسه..
**
لنقف عند آخر رسالة في هذا الإرث الفخم:
مراليوسفي بامتحان ثقافي رمزي كبير، لا أعتقد بأن غيره كان يمكنه أن يتعامل معه بوضوح وتؤدة.
عندما استقبل ملك البلاد عبد الرحمان اليوسفي، بمدينة أكادير في سنة 2002، وأطلعه على قراره باختيار ادريس جطو وزيرا أول، كان القرار صعبا، استوجب الجواب الذي يليق بالمقام وبالموقف.ركب اليوسفي الطائرة، ولم يحدث أحدا من الوزراء بما دار بينه وبين ملك البلاد، بمن فيهم الاتحاديون والاتحاديات.
الموقف دقيق، لكن كان اليوسفي قد أعطى وعده بأن يحضر نشاطا ثقافيا بالدار البيضاء، ولعله كان نشاطا شعريا..كان اليوسفي على موعد لحضور افتتاح مهرجان «بيت الشعر»… هو الذي لعب دورا مركزيا في تبني مقترح البيت في تنظيم يوم عالمي للشعر، في اليوم الأول من ربيع كل سنة..
هنا نفهم الامتحان الذي ربحه اليوسفي وهو يصوغ للثقافة علوها وسموها عن الحالة الذهنية للسياسي وعن مقالب السياسة وعن خلود الشعر في وجه الخروج عن المنهجية الديموقراطية..
كان ممكنا أن يقول : ماذا يفعل وزير أول في حفل أدبي وفي للشعر والموسيقي، في زمن الخروج عن وعد كبير بالانتقال الديموقراطي؟
لم يقلها، وحتى عندما اعتزل السياسة من بعد، واضب على حضور الأنشطة الثقافية والمتابعة الفنية والرمزية في كلياتها..
هذا هو القائد عندما يعرف بأن الثقافة هي ما يتبقى عندما ينسى الناس كل شيء..
لم تكن لليوسفي فيللا مترامية الأطراف، بل شقة في عمارة، كل من دخلها يشعر بحميميتها وبيسر الحصول عليها بدون أن يكون المرء وزيرا أول..
لكن الإرث ليس هو وضعها، كما يفعل الكبار رهن إشارة الأمة، ولا من خلال تحويل ما ترصد لديه من مدخول لمعهد الفنون..
هذا الإرث، يريد بالفعل أن يقلده الجميع..
ونريد من الذين يتوعدوننا بإرث اليوسفي أن يقلدونا فيه..
من أي موقع كان، ولو كان من موقع اليسار ..
أو من موقع الإعلام.. الذي لم يدخر أية رصاصة، في محاولة اغتياله الرمزي وهو يسير بالناس بأنفة الأتقياء والنظيفين..
لم نحتج اليوسفي غائبا لكي نتحدث عن إرثه…
وكما قال بودا الحكيم – ربما على لسان اليوسفي -:
ان عملي هو ممتلكاتي الوحيدة، ان عملي هو ارثي الوحيد ،ان عملي هو الرحم الذي أولد منه،انها عِرقي، ان عملي هو مأواي وملجئي والسلام!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/10/2020