في الدعم والإشكال الثقافي والفني..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
ثابت الثقافة ومتحول الدعم..!
خلقت مبادرة الدعم المقدمة من طرف وزارة الثقافة والاتصال موجة عمق نادرة من السجال داخل المجتمع برمته، ولم تقتصر، كما اعتدنا عليه على أهل الثقافة والفن والإنتاج اللامادي.
وفي المقابل، وجد الفن والفنانون، والثقافة والمثقفون أنفسهم في وضعية لا يحسدون عليها داخل موجة غير مسبوقة من السجال الملتبس.. مما يجعل عملية النقاش، تبتعد عما يجب من عمق ورزانة وهدوء،… وهو ما صار ملحا بعد الهدوء النسبي للعاصفة،وأيضا،لضرورات إعادة تقدير الموقف من الثقافة في بلادنا.. بخطة تواصل عقلانية واحترافية حول الموضوع، تمكنها من خلق الأجواء المناسبة لمباشرة الحديث المطلوب في مثل هذه القضايا..
بل وجدنا أنفسنا أمام تواصل في حده الأدنى، أفضى إلى توقيف التواصل بمضمونه المنتج والنافع. لم يثبت جدواه في الإقناع. في حين أن التواصل المضاد، أكان على صواب أوعلى خطأ،رأى عيوبا كبيرة في الدعم
المقدم وللفن والثقافة. ووجد صدى واسعا وتناقلته كل وسائل الاتصال العامة..
وعندما يكون الاختلال في التواصل الرسمي، و«مشروع الكوم com»، هنا يصعب على الرأي العام معرفة مبنى ومعنى المبادرة، ويصعب عليه الاطلاع على منطلقاتها ومخرجاتها..
والتواصل في صلبه، هو تجاوب مع طلب عمومي مرفوع في الفضاء الواسع، كما أنه تمرين يدفع إلى الفهم، بالنسبة لمن وضعوا ملفاتهم بحثا عن الدعم، ولمن استفاد منهم ولمن لم يستفيدوا..الإدارة المعنية محجمة عن ذلك، أو مترفعة عن ذلك أو في حالة من العيِّ إزاء ذلك.…
وقد تشرفت بمبادلات ثقافية متعددة، وتفاعلات عالية من أطراف العملية الثقافية، ولعلي وجدت تركيزها وتلخيصها في مقترحات شخصية ثقافية ومؤسساتية رفيعة.
هو السي عبد الكريم بناني التي تعد بنقاش عميق يستوجب التعميم، وكما قد يكون مقدمة لنقاش عميق، يتجاوز مظاهر العجز أو التنكيت في قضية هي جوهر السلوك الحضاري للشعوب والمؤسسات، هي قضية الفن والثقافة..
ومن الأفكار التي يحسن بنا أن نضعها أمام أعينا ما يلي:
1/ما يجب أن نعرفه عن الدعم، هو أنه عملية سنوية،
وأن الملفات وضعت وتوضع – عادة – لدى الوزارة، وهو أمر ليس بالهين أو البسيط، إذا ماعلمنا بأن ملفات عديدة ترفض، ولا يتوصل العديدون بأجوبة عن أسباب الرفض ولا مبرراته.
2/ وفي حالة عدم استيفاء الشرط الذي يتم بموجبه الرفض، يجب أن توجد آلية، من أجل «استئناف الحكم» الوزاري، أوجهة يمكن اللجوء إليها لعرض الملف و«رفع التظلمات».. فمن غير المنطقي ألا تكون هناك، في حكم المسؤولية الرسمية آليات توجب التعامل مع الملفات التي لم يبرر رفضها.
3/ لم يقم السيد الوزير، بمجهود تواصلي وبيداغوجي، لكي يشرح الطابع الاستثنائي للدعم، الذي تم تقديمه، ولماذا سمي الدعم بالدعم الاستثنائي؟ أ يرجع ذلك إلى المبالغ التي خصصت له، أم للمبلغ الإجمالي له ؟ أم هي الجائحة؟ أم تراها قواعد جديدة لمنح هذا الدعم؟
4/ في الحالة التي نحن بصددها، هناك واجب الوجوب ومستحب الوجوب. وفي سياق هذه المعادلة، لا يجب – بأي حال من الأحوال – الخلط بين دعم الفن والفنون، والدعم المقدم للفنانات والفنانين لمواجهة ظروف الحياة ومصاعبها وحاجيات عائلاتهم، لأن هناك طرقا وسبلا أخرى لتلبية ذلك، وهو أمر مشروع ولا غبار عليه..، كما أن واجب التضامن في هذه الحالات يفرض نفسه..
5/ وبعد هذا وقبله، هناك حاجة قائمة لطرح السؤال الملح: أية سياسة ثقافية يجب أن نعتمد في بلادنا؟
وبالنظر إلى ما تطرحه الإشكالية الثقافية والفنية، في الوضع العادي، كما في الوضع الاستثنائي من تعقيد وتشابك، ربما حان الوقت، لكي نعيد النظر رأسا على عقب، في نظرتنا ورؤيتنا للفن والموسيقى والأغنية، وهي ماهي كينابيع لتغذية أطفالنا وشبابنا، باعتبار الفن عاملا إجباريا في تربية الشعوب..
6/ أدوار الإعلام، الإذاعات والتلفزات، وبالأخص منها الوسائل العمومية للإعلام، عليها أن تعيد النظر بشكل عميق في مهامها التربوية. ولقد حان الوقت لإصلاح عميق في الإعلام.… وقد كانت الفرصة سانحة، مع هذا الدعم لكي يسود نقاش عميق في المجتمع عبر وسائل الإعلام، يبتعد عن التبسيط والاختزالية وتسفيه الفن، الذي قد يكون هو الصيحة الكبرى في حالة وجود إسفاف في تناول موضوعه أو استصغار ما قد يحصل بسببه!
7/ هناك في المقابل تعطيل الأبعاد الأخرى في معايير صرف المنح، في الوقت الذي تتصرف فيه السلطة المركزية في الثقافة بأريحية، تكاد تكون بدون تأطير سوى ما وضعته هي نفسها كمعايير، نجد أن الأبعاد الأخرى، ولا سيما الجهوية، تعطلت في مواكبة هذا المجهود، أو إشراكها في وضع معاييره ومعالمه، ولِمَ لا، تسهيل مسؤوليتها في تدبير الأوضاع جهويا للفنانين والفنانات، للمثقفين والمثقفات للناشرين والناشرات..
على العكس من ذلك، تابعنا كيف أن قرارات وقف دعم الثقافة والفن على مستوى الجهات والأقاليم والجماعات،من أسهل القرارات في التعطيل، وإلى حدود الساعة، بما في ذلك التصفية المالية للفرق أوالفنانين الموثوقين، الذين أدوا وأنتجوا وقدموا خدماتهم الثقافية لكنهم مازالوا يتعثرون بين القرارات والوثائق والمساطر، بالرغم من أنهم من ضحايا الوضع الحالي.. وهو وضع قد يكشف ما لا يسر من نظرتنا إلى المأساة الثقافية عموما..
إن الإشكال الثقافي أعمق من الاختزال ومن التناول العابر والمسطري. إنه أعمق بكثير.. وقد يكون من الضروري الحديث في الدعم، حتى يصبح الحديث بعده في الثقافة ممكنا. يحكى أن وزير مالية ونستون تشرشل، الذي كان يخوض حربا ضروسا ضد النازيه، قد جاءه يشكو إليه رفض وزير الثقافة تقليص ميزانية وزارته.. أي ميزانية وزارة الثقافة. وأجابه تشرشل: لماذا نخوض الحرب ضد هتلر، أليس من أجل الثقافة؟
هو جواب فيه الهوية الثقافية الثابتة للأمة، وليس الوضع المتقلب للميزانية..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 08/10/2020