في اليوم الثالث الموالي للاغتيال..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لا لبس في تسمية ما تقوم به إسرائيل في حربها المروعة منذ عام، بكونها جرائم كاملة الأركان، موصوفة، باسم الصك القانوني الدولي، وباسم المحكمة الجنائية الدولية ،جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية تشمل الشعب الفلسطيني في غزة، كما تشمل الشعب اللبناني، وتشمل الاغتيالات التي طالت قادة المقاومة كما طالت قادة حزب الله الذين لم يسقطوا في ميدان المواجهة، وخارج القانون.(لنا تقدير تفصيلي لعلاقة مع حزب الله مع المغرب سنعود إليه )..في هاته الجرائم، وأصلها الثابت هو جريمة الجرائم الاحتلال، فصول لا يمكن أن تخفي منها فصل التكنولوجيا والجاسوسية، وفصلا يخص موقع لبنان .. جنة المقاومة وجحيمها.
1 – عن زواج الجاسوسية بالتكنولوجيا
في التقدير الساخن لما وقع في سابع أكتوبر، كانت هناك العديد من القراءات التي أصدرت الأحكام النهائية بدخول الاستخبارات الإسرائيلية مرحلة الضمور والترهل. وخرجت وجوه كثيرة، بعضها من قيادات حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وفي عواصم عربية أخرى، تعلن بداية النهاية والعد العكسي لإحدى لأقوى الأجهزة الاستخباراتية في العالم. ولعلنا قرأنا جميعا عناوين عن أفول نجم المخابرات الإسرائيلية «الشاباك» و»الموساد»، وعن تراجع النبوغ الاستخباري الإسرائيلي الذي أثبتته القدرة الكبرى لفصائل حماس في تنفيذ عملية سابع أكتوبر.
وزاد من هذا الشعور العام حديث عن استقالة قائد الوحدة التابعة للاستخبارات العسكرية بسبب «تقصيره في هجوم 7 أكتوبر» .. وربما صدقنا، في لحظة من اللحظات أن ذلك أصبح معطى نبني عليه التحليل، ما دامت الاستخبارات الإسرائيلية كانت جزءا من الأسطورة الاستعلائية للاحتلال.
هل كان نجما من خيال، فهوى؟
أبدا، كانت إحدى المهام الأساسية في العمليات التي قامت بها إسرائيل، وهي تعمل على تصفية قادة المقاومة «حماس» على رأسهم إسماعيل هنية، ثم من بعد قادة حزب الله، جماعات وفرادى، وختامه الزعيم الكاريزماتي حسن نصر الله، هي بالضبط أن تعيدنا إلى واقع ثابت يؤكد قوة الاستخبارات الجديدة.
في العصر التكنولوجي الثاني:
إذا قدرنا بأن العصر التكنولوجي الأول، كان في حمأة الجرائم البشعة أثناء تصفية قادة كبار من كل تنظيمات المقاومة والكفاح الفلسطيني المسلح وغير المسلح، بالتفجيرات الإلكترونية وتلغيم الهواتف النقالة في منتصف تسعينات القرن الماضي، وما بعدها.
وصول العلوم التكنولوجية إلى تنفيذ القرار السياسي، ليس جديدا، لكن الجديد فيه هو…إسقاطه من تحليلات العديد منا، في الدائرة العربية الإسلامية!
لست من الذين يمجدون التكنولوجيا وحدها، في تعالقها بالجاسوسية، بل أرى في الكثير من الأحيان بأن الخيانة قد تكون هي أرقى »لوجيسييل« من منظومات التجسس، وأحد أرقى أقدم زواج بين التكنولوجيات والجاسوسية..
التكنولوجيا هي أيضا الحرب الجديدة: الحرب هي التكنولوجيا، والجاسوسية ما زالت مهنة البوليس السري، ومهنة العقل الإلكتروني.
وإذا لم نعقد قران الجاسوسية والتكنولوجيا، فلن يكون كافيا أن نعتنق القضايا السامية .
متأخرين عن العالم بثورات تكنولوجية هائلة، وبدورات جاسوسية كبيرة..ولا أحد يستطيع أن يربح معركة القرن الواحد والعشرين بالسيف ..!
لا أحد يمنع إسرائيل غدا من ضرب محطات الحلم النووي الإيراني، الذي تجعله إيران هدفها الأسمى الذي لن تتردد ، لاجله في التضحية بخمسة شعوب عربية دفعة واحدة.. لاسيما وقد كشفت إسرائيل للعالم كل هندساته!
ومن نتائج نجاعة ودقة الضربات الاخيرة أن العالم سيصدق كل ما قد تقدمه إسرائيل من تصاميم وخطاطات ووثائق تهم أي مخزون لأية دولة عربية. ويصدق أنها قادرة على أن تضع أمام العالم صور شمسية .. لنوايا الدول !!
هل أمجِّد الاحتلال؟.. لا يحتاجني إلا ضحية في أحسن الأحوال، أما الذي يمجده في الواقع فهو تخلف الأمة التي نحن منها!
2 – ماذا سيفعل لبنان؟
ليس للُبنان سوى أن يُفعِّل بُند استقلاله.ليس له سوى أن يكون. ولكي يحدث ذلك، عليه أن يستطيع تفعيل الدولة، وهي بلا رئيس، ويفعّل الحكومة وهي منهكة بتصريف الأزمات اليومية، وأن يفعّل البرلمان والوزارات والقطاعات الأساسية كالعدل والجيش والأمن.. وكلها واقفة في لحظة ..حرب!
كان لبنان قد استعاد جنوبه بفعل قتال حزب الله وزعيمه نصر الله. وقاتل من أجله في 2006. .. لكن لبنان اليوم على فوهة المدفع، والتساحال يخطط لغزوه.
لكي يقوم لبنان، لا بد له من وقف إطلاق النار! وقرار بمثل هاته الحتمية ليس بيده: بل هو بيد إيران وإسرائيل، اللذين يتقاتلان الآن فوق ترابه.
ولكي يتم توافقهما، تحت ضغط دولي، لا بد من أن ينجحا في توافق عام تندرج فيه غزة واليمن وسوريا والعراق.. وهو ما يتطلب تغييرا جذريا في الوضع الجيوستراتيجي بالشرق أوسط. وهو ما يبدو أن إسرائيل وحدها التي تعلنه، كما في كملة مجنونها نتانياهو أول أمس إلى الإسرائيليين!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 01/10/2024