في انتظار نهاية زيارة ديميستورا.. ومع ذلك فإنها تدور

عبد الحميد جماهري
يزور المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، السيد ديميستورا، منذ البارحة، الأقاليم الجنوبية المغربية «لأول مرة» منذ تعيينه في نونبر 2021.
من خلال اتصالات عديدة من هنا وهناك، اتضح لكاتب هذه السطور أن الديبلوماسية المغربية تعتبر «زيارة ديميستورا عملا إجرائيا»، لا يستوجب الإشعار به قبل أن يقع أو محاولة «تضخيمه»…
ويعود هذا التعامل، كذلك، إلى أن المغرب كرس تقليدا معينا ـ في تقدير الديبلوماسية المغربية – وهو ألا يجعل من الزيارة في حد ذاتها موسما سياسيا يستهلك نشاطه الإعلامي، ولا لحظة صادمة على أساسها تتحدد أمزجة الدولة والشعب، وهو اعتبار له حظه من الروية والعقلانية ولا شك، ولعله موقف يضمر كذلك إشعار المبعوث الأممي بأن الزيارة لا تصنع ربيعا ولا خريفا، وهو ما يدعوه إلى عدم التصرف وكأن الأمر فتح كبير. فهناك العديد من المبعوثين جاؤوا قبله، بعضهم غادر المهمة بخفي حنين وفي حالة سيئة .. وقد يضمر موقف التعامل العادي أن «ديميستورا يجب ألا يركب دورا أكبر من دوره فهو ليس مصيريا بالنسبة للقضية، ولا بالنسبة لقرارات مجلس الأمن»..
ومن حيث المضمر الأعمق، فقد يحيل الصمت المغربي الناطق بأن نيويورك لم تعد هي صانعة الحدث في القضية، بقدر ما هي العاصمة الرباط والأراضي المغربية المسترجعة..
ومن حيث المبدأ العام، يكون المغرب منسجما مع نفسه عندما يلتقي بالمبعوث الخاص للأمين العام، كما أنه يكون منسجما عندما يكون طرفا مساعدا «يسهل استئناف العملية السياسية « وتوسيع مائدة المشاورات لتمثيل أبناء الجنوب في عقر وحدويتهم .
ومن حيث المبدأ العام يحسن بنا أن نتركه يرى بأم عينيه ما تحقق ويتحقق، ويسمع ويتفاعل مع الذين اختارهم الصحراويون للتعبير عنهم، وعن تساقط الدعاية المناوئة التي تقدم الصحراء كثكنة كبيرة يعيش فيها الناس، البؤس العام!
يبقى مع ذلك أن الديبلوماسية تنتظر نهاية زيارته إلى الجنوب المغربي، ثم لقاءه مع المسؤول عنها، وتقديم التقييم الذي لا بد منه في هذه الحالة قبل أن يتوجه إلى الجوار الجنوبي والشرقي..ثم العودة إلى نيويورك..
غير أن الجدوى من الحديث عن الزيارة لا تتحدد فقط من خلال التعامل مع تنقل ديميستورا الى الأراضي المغربية في الجنوب، بل أيضا من خلال أفق انتظار المغاربة للزيارة وما يدور حولها. وفي هذا الباب رأي المغاربة مهم للغاية، وهو الذي يحدد أفق الزيارة وانتظاراتها وليس الانتظار بفارغ الصبر إجراءات زيارة المنطقة» كما ورد في بلاغات الأمم المتحدة…
والجدوى تتحدد من نهاية الزيارة كاملة، والتقرير الذي سيقدمه كذلك، وهو أمر لن نطلع عليه قبل أكتوبر القادم لنعرف ماذا استخلص وماذا دبج..
وفي هذا السياق، فالمغرب لا يغفل في التقدير بأن ديميستورا يصل، وهو تحت مظلة قرارين من قرارات الأمم المتحدة، 2606و2654 يساندهما المغرب ويساندانه، وأنه مطالب بأن يتخطى الوصف وحسن النية والدعوة الوعظية إلى العمل من أجل حل سياسي توافقي، إلى ما هو أكبر بتسمية الأشياء بمسمياتها وإعلان المتهم الحقيقي بعرقلة الإرادة الدولية في الحل السلمي. ولا يمكن أن يظل سقف تحركاته، في حدود الإنصات، كما لو أن الإرادة الدولية لم تعبر عن نفسها، وأن الحقائق الواقعية لم تتغير ولم تغير أفق الحل، ومنها أن الساكنة لها شرعيتها التمثيلية التي لا يمكن أن تظل محدودة النتائج في المسلسل السياسي الأممي. وهنا لا يمكن أن نقبل بأن تكون للانفصال منصتان: واحدة في تيندوف وأخرى في الأقاليم الجنوبية، قد يسعى إلى لقائها. هناك أفراد يتعامل معهم المغرب كدليل إثبات وكاستثناء انفصالي فردي يثبت القاعدة الوحدوية الجماعية.. ولا كندية في الشرعية ..
لا شك أن ديميستورا يقف مثل غيره على حقيقة تحول جوهري في العلاقة بين المغاربة في الجنوب والدولة المغربية، تحول كان في بدايته، وعند صدور قرار المحكمة الدولية في السبعينيات على شكل رابطة البيعة بين الساكنة والسلاطين، ونحا نحو علاقة بمقومات الدولة الأمة الديموقراطية، التي تخضع للشرعية الديموقراطية وشرعية الإنجاز، معززة بخلفية الأساس العقدي للحكم، وهو البيعة، الذي يسري على الجميع في الوطن الموحد..
لا بد أن ننتظر مع الديبلوماسية المغربية نهاية الزيارة، وننتظر تقرير المبعوث وردود فعل الأطراف الأخرى.. وفي انتظار ذلك، فإنها مع ذلك تدور لفائدة المغرب، محليا وإقليميا ودوليا ..
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 06/09/2023