في رحيل الاموي…

عبد الحميد جماهري

منذ رحيله وأنا أحمل صورته الأصلية، في مخيلتي :صورة نقابي كث الشعر أسوده مبتسما ابتسامة طفل
محمد نوبير الاموي، لم يترك في ألبوم السياسة صور المسيرات والمظاهرات والاستعراضات والاعتقالات فقط.
ربما بدأ، بالنسبة لجيلي من سمعته النقابية والسياسية الفريدة
من صلابته ومن تصريحاته.
لكنه بالنسبة لي شخصيا يبدأ من ابتسامته.
للمفارقة
ربما
للبساطة
ربما
للتضاد بين قوة الرجل السياسية والنقابية
و ما في ابتسامته من وداعة طفولية.
عندما تجره الى معادلات السياسة
يبدأ الخلاف في تقدير صوابه
بين من يرى أنه
كان صائبا مثل حجر في مقلاع
ومن يرى انه
كان خاطئا مثل لكمة في الظلام
لكن محمد نوبير الأموي الذي وحَّد الناس حول قلبه،
رجل من طين ومباديء
ورجل من صلصال ومروءة
كثيرون يتنذرون ،في لحظات البشاشة الاخوية بشكه الذي يُخضع كل شيء حوله إلى جهاز كشف الازدواجية
وربما كانت فراسته تخطيء أو تصيب حسب مزاجه وهو يتحول من إنسان وافر الثقة الى كيان لكشف الكذب .
محمد نوبير الاموي بالنسبة لي هو أول محاكمة أحضرها باسم ليبراسيون جريدة الحزب الصادرة بالفرنسية، في 1992
ايام الـ»مانكانطيس«، وحوار يومية »إلباييس« الاسبانية
ومحاكمة البصري ومرافعات محمد زيان باسم الحكومة..
كنت إدخل الى رحاب المحكمة، قبل منع الصحافيين والمناضلين من متابعتها فيستسلم الصحفي الى نعاس مهني ويشرئب المناضل المعجب والمعتز بالمتهم الواقف بعزيمة ، من تحت اوراق التغطية..
كان الحب وقتها خطأ مهنيا في الصحافة..!
بعد ان قدر لي،مغاردة »ليبراسيون« في ظروف ليس هنا مجال الحديث فيها، وكان علي أن استأنف نشاطي التربوي، والعودة إلىالناظور، من حيث أتيت الى الدار البيضاء، كان الاموي، سببا في بقائي في المحمدية، بتدخل من عبد الهادي خيرات والطيب منشد، ااه هذا الثلاثي، الذي سأصادفه في الحكايات الشيقة، غير السياسية التي تعني الاموي:
مرة كان الاموي يقود سيارته، صفر شرطي المرور لكي يقف، واصل القيادة لكن من معه أقنعوه ضرورة التوقف وانتظار الشرطي:
جاء هذا الاخير – تقول الحكاية – وطلب رخصة السياقة، فسلمه الاموي إياها.
الشرطي طمع في الحصول على باقي الوثاذق فطلب من الاموي ذلك.
فماكان من القائد النقابي إلا أن أخرج يده ونزع رخصة السياقة وهو يقول للشرطي: ضْصَرْتي!
الأموي في حكاية أخرى كان قد اقتنى كتبا في الكيمياء وأراد أن يصنع قنبلة، انفجرت ين يديه دون إصابات لكنها كشفت نزوعه المسلح في مغرب السبعينيات.
الاموي الذي يملك قدرة هائلة على الحفظ
الاموى الاخر البسيط البدوي الشاعري والبوذي، هو الذي يجعل الحزن كبيرا.
ويجعل الحب كبيرا
ويجعل الصفاء العاطفي ارثا ضروريا لكي نحمله في القلب..
أعترف بأنني مرة، لم اجد ما اكتبه كإهداء له، بمناسبة صدور النسخة الاولى لكتاب »تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم« للراحل محمد الرايس، عن تازمامارت سوى أنني استعرت عنوان مقالة لمحمود درويش، وهو يتحدث عن عرفات: أخي وقائدي ونشيد البحر..
أعترف بأنني شعرت باعتزاز كبير، وهو يقول عني: «وهل يخفى القمر»، يومها كانت آخر مرة أراه فيها، وأنا ضمن وفد المكتب السياسي للاتحاد، عندما زاره للاطمئنان عليه،
يومها تقدمت للسلام عليه، فقال حسن نجمي: «هذا جماهري الشاعر السي محمد..»
فأجابه رحمه لله: «وهل يخفى القمر..
كم يعجبني ان اسمع القصص عنه وهو في السجن يرويها محمد كرم أو عبد الهادي خيرات، واتفحص جوانبها الدالة على عمق شخصية فريدة للغاية…قصص النمر!
شخصية متفردة في بناء حيزها في العاطفة وفي الفعل السياسي..
لست بذي جدارة سياسية واستحقاق نضالي كبيرين لكي اتحدث عن عطائه السياسي او إخضاعه لميزان التقدير، بالخطأ أوبالصواب
كل ما أعرفه انه كان يحتكم الى معادلة ميدانية: هل انا قريب من الواقع او بعيد عنه؟
هل انا قريب من نفسي او بعيد عنها؟
كما كان يطرح ذلك عند استعمال آلة رصد الثقة..هو الذي قال ذات يوم: اكاد أشك في نفسي، من فرط الحيطة التي سادت مجال السياسة او بالاحري النضال السياسي… في زمن التسعينيات من القرن الماضي..
كان اقرب من ظهيرة في ساحة يغمرها لهيبه الثوري، عندما كان آخرون يختارون برودة الظلال وجداريات المنابر الصامتة
كان احدنا في كون لله هذا، يشبهنا في كل شيء، حتى في غرورنا النضالي!
كل واحد رسمه باللون الذي يحب،اما هو فقد رسم وجهه بنبضنا رحم لله نوبير الأموي…
أبو غيفارا….

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 20/09/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *