في عيد الحب يحسن بي أن أحدثكم عن الزلزال

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

في يوم الحب، تعود العاطفة الإنسانية أكثر بياضا عندما نفكر في الزلزال، في القدسية التي يسحبها الموت على الشعور الإنساني النبيل.
من أطراف الأرض إلى أطرافها، تذكرنا المآسي، بما يجمع البشر، من هول الكارثة وسقوط الجدران على جزء من البشرية.
أن نعود إلى أصل العطف والتضامن، خير لنا من أن نظل على حدود الحدائق..نمدح الزهيرات.
ربما سيظل الحب وفيا لشرط وجوده: أي لحظة ورطت أفروديت، إلهة العاطفة في الأسطورة الإغريقية، الراعي باريس بإهدائه التفاحة التي وقعت من يد زيوس، انكشفت له طريق الحب، وكان عليه أن يدفع عجلات القدر إلى شاطئ البحر ولقاء أبناء طروادة، في سباق التنافس الفروسي، ليكتشف قصته الحقيقية ويعرف بأنه ابن الملك الذي تم تهريبه صغيرا كي لا تتحقق نبوءة الخراب..
كانت جياد المأساة تنهب الأرض به إلى المدينة، وإلى اسبارطة، من بعدها كي يلتقي الحب في صورة هيلينا..
لا أحد وقف أمام القوة الهائلة في التراجيديا، والتي كان الجميع يعرف بأنها ستحل بطروادة وتخربها وتهدم كل عمرانها..
لا أحد ذكر عدد القتلى في الأوديسة والإلياذة
لا أحد قال إن كل طفل يموت، يقتطع من سلالتي
لا أحد بكي دموع الآخرين بعينيه..
لحد الساعة ما زالت الأنانية في طابعها العفوي، الذي يعبر عبر الشاشات ونشرات الأخبار، إلى حين تحل كارثة أخرى..
وفي قلب هذا العالم تنبت النظريات وتخرج من شقوق الأرض ومن أديم التراب تحاليل الجيوسياسة:
كل الدمار لم يغيب صورة بشار الأسد، كما لو أنه السوري الوحيد الموجود في سوريا!!
لا قتلى ولا جثث ولا مقابر ولا …أطفال يموتون في شبه جزيرة الألم.
في تركيا أيضا يختزل الألم في وجه أردوغان وعلاقة التحاق السويدي بالحلف الأطلسي، كما لو أن 20 ألف تركي تحت الأنقاض لا يعنون شيئا في خريطة التوازنات الدولية..
لكن، ما مزقته المنافسات الجيوسياسية بين دمشق وانقرة وحده سلم رشتر.
في الانهيار المأساوي العظيم، تتوحد الدولتان على حدود قبر واحد.
وعلى أنين الشعبين الموضوعين على طرفي معادلة في السياسة الدولية…
تنسى البشرية عواطفها البسيطة وتعقِّد الوضع بالقرارات السياسية العميقة في الجراح.
البشرية تتفرج، أو تتفلسف ما بعد الزلزال: ما الذي سيتغير يا ترى إن رفع الحصار عن الموتى في أدلب، وكيف ستتغير موازين القوة إن نجح الموتى في الحفاظ على حدود بلادهم الترابية؟
وبغير قليل من الأسطورة في الموت والتراجيديا، ننقذ قليلا من الحب في عيده.
سيكون السؤال ملغزا أيضا: لماذا لا يخرب الزلزال بقوة أكبر في قرية ماريا المتمردة؟ وكيف تسقط المآذن ولا تقتل سوى سيدة مقعدة؟
ويبدأ البحث في نوايا سلم «ريشتر» وفي مخططات الزلزال..
ولاشيء أكثر ألغازا من شعبين يموتان بالقرب من لحد بعضهما البعض، ويختصمان في السياسة..
هناك صوت ما في العالم يقول: قد يكون الزلزال خدعة حربية أيها الجنود انتبهوا!
قد يكون جزءا من تاكتيك عسكري، للطرف الآخر، قد يخرج هذا الطرف أو ذاك منتصرا بسببه…
احملوا أسلحتكم وانتظروا أن تمر الهزة الأولى، والهزة الارتدادية بعدها .. ونسدد فوهات البنادق والصواريخ نحو القتلى في الطرف الآخر من الزلزال..
في قلب الحرب، يعود الحب والزلازل إلى الواجهة..
والسوداوية المضحكة تشاء أن نبحث : من ذا الذي يقصف المدن، في سباق مع الزلازل؟
من يريد أن يسبق الموت إلى الموتى ويمشي بهم في الدمار إلى رموسهم؟
في الغرب الآمن، لا أحد يتساهل مع الزلزال: لقد جاء في وقت غير مناسب ولم تنه السياسة والخطط العسكرية أهدافها كلها بعد..
هو زلزال، لا يحترم في القرارات الدولية قوتها وشرعيتها..
الشرق يتيم ودوله ثكلى…
والغرب يستقر على بعض من مخاوفه: هال سيهاجر الموتى من جهة الشرق أو من تحت الأرض؟
وكم كان بود الغرب أن يكون رحيما لولا عراقيل جيوسياسية منعت عاطفته من الوصول إلى القتلى في نواحي سوريا، ولولا بعض العقبات التي وضعها السلام المسلح في وجه العواطف المتضامنة..
ولا فرق بين سوريا الأسد وسوريا المقاتلين، كلاهما تحت طائلة العقوبات ومنع المعونات!!!
سينتصر الحب بعد أن ينتهي الزلزال
وتنتهي الحرب
ويعود الشرق الأوسط إلى ياسمينه في دروب دمشق وفي عطور الشاميات الهائلات…
سينتصر الحب يوما آخر، حتى يفصح الزلزال عن نواياه، بناء على تحليل مراكز البحث الغربية…
ويمكن للحب أن ييمم وجه شطر الموتى أو شطر من يقيمون الحداد..
لأن المنطقة بين سوريا وتركيا هي أكثر مناطق العالم اشتعالا أكثر من الزلزال؟
اآآآآه طبعا، مع فارق جوهري أننا نعرف إلى أين تفضي بنا النزاعات البشرية ولا نعرف عن نوايا الزلزال شيئا، ما الذي سيتغير وما الذي سيبقى وهل ستهرب ميلشيات داعش من السجون عندما يسقطها الزلزال أم يسقط النظام وتعود الزنازين؟
لا أحد يعرف ما يدور في ذهن الأرض عندما تقرر الزلزال: لا تحدثنا بعد عن أخبارها ومخططاتها…
لننتظر عيدا آخر، بلا حرب ولا زلازل، كي نجد ماء صافيا ندله على بيت الزنبقة أو نجد زهرة ياسمين نذهب بها إلى مطلع العاطفة ؟
لننتظر الحب في السنة القادمة، بلا أنين القتلى ولا قلوب وسط التراب..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/02/2023