في معنى استئناف الحرب على غزة
عبد الحميد جماهري
اتضح، بعد لحظات قليلة للغاية من نهاية الهدنة، أن رسالة الملك محمد السادس الى الشيخ نيانغ رئيس اللجنة الأممية لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، يوم 29 نونبر ،انظر عمود البارحة كانت استباقية في تحديد أولوية الأولويات، بالحديث عن قرار، صريح وحاسم في فرض وقف إطلاق النار، وما يترتب عنه من عدوان على غزة
فقد اشتعلت الجبهة من جديد، وصار لزاما على المجتمع الدولي أن يسارع إلى وقف الحرب، عاجلا وليس آجلا.
وإذا كانت كل موجبات الموقف المغربي مقنعة ولا غبار عليها، فإن الديبلوماسية أمامها تجريب ترسانة كل ما تراكم عن الحروب التي سبقت فوق الكرة الأرضية، والتي تحرك آلتها في جو شبيه بما يسميه المغاربة، عادة، «عرس الذيب»، أي وجود المطر والشمس، الصحو والسماء الزرقاء والسحب الداكنة في نفس الوقت، مع قوس قزح يجمع الأرض من أطرافها، ويربطها بسماء الهدنة والتفاوض تحت القنابل وفوق الأنقاض عرس ذيب فاجع ومفجع
مزيج الحرب والمفاوضات هو الذي نراه ماثلا اليوم في مشهد غزة تحت النيران.
ولعل من التزامنات ذات المعنى هو أن يرحل صاحب أكبر مدرسة في العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية في تدبير كل المواقع التي تكون فيها أمريكا حاضرة ، هنري كيسنجر، ومن المفيد الإنصات إليه بعد وفاته من خلال سيرته.
ونحن معنيون بها لأن جزءا منها مازال مرجعيا في تحركات وتقديرات صاحب القرار الأمريكي، ومازالت عقيدته في الديبلوماسية حاضرة ليس فقط عند أمريكا، المعني الأول بالحرب ضد غزة، بل حتى لدى دول أخرى من العالم.
هنري كيسنجر يحبه الصقور، كما ينصت إليه العقلاء، وهو الرجل الذي كان وراء تقارب بلاده مع موسكو وبكين في عز الحرب الباردة في سبعينات القرن الساخن والعشرين
أحد حكماء الجيوبوليتيك، وإن كانت لديه تقديرات مختلفة من طرف كل أطياف السياسة العالمية.
وفي اللحظة الحالية نستحضر كيف أنه فاوض والقنابل تنهمر على العاصمة الفيتنامية هانوي، تفاصيل السلام مع الفيتنام في أقوى حرب ما بعد الحرب العالمية الثانية، حرب صارت مرجعا بدورها لدى حركات التحرر ،منذ أن توجه القادة الفلسطينيون الوطنيون المؤسسون إلى زعيمها، هوشي منه، يطلبون منه المَشورة.
في سيرته، نحت جدلي للواقعية السياسية، والبراغماتية الجافة، الباردة برودة مبضع الجراحين التي تضع المصلحة الوطنية قبل أي شيء آخر، وكانت في صيغتها الامريكية تبيح أحيانا كل أشكال الفوضى والقتل من أجل الحفاظ على ذاتها ، انقلاب بينوشيه مثلا. كيسنجر، وإن كانت دبلوماسيته تميزت بواقعية سياسية لاأخلاقية ومؤلمة، ظل يحرص على أسرار الدولة وغاياتها التي لا يجب أن تفصح عنها أحيانا كثيرة، واستطاع الجمع بين هذين الأمرين، كما يجمع «عرس الذيب» خيوط الشمس وخيوط المطر ، غايات الدولة ومنطقها، ثم الواقعية، وهو ما جعله يفرض اسمه، وما مَنحه موضوعا لأطروحته الجيوسياسية في كتابه الشهير: «الديبلوماسية.
نحن نتابع كيف أن الصيغ التي انتهجها في الديبلوماسية السرية التفاوضية عكس الظاهر الحربي، واعتماد الباليه الديبلوماسي النشيط، كما يفعل أنطوني بلينكن الآن، ذهابا وإيابا إلى الشرق الأوسط، ولعل الجدوى اليوم هي كيف يكون بلينكن مستلهما لأحد مبادئ كيسنجر في تدبير السياسة الخارجية لبلاده، حتى وهو يجعلها أولوية الأولويات، وأن يعرف كيف يحد من نظرة إسرائيل التوسعية وينجح في محاصرتها في حدودها الدولية، بناء على ما تم الاتفاق عليه.
وهنا أيضا إن مبادئ العقلانية السياسية لا تعني الرومانسية المجنحة، بقدر ما تعني الحفاظ على أساس السلام المرتبط بالحق الفلسطيني، وليس بحق إسرائيل في القتل.
إن الحق بدعوى الدفاع عن النفس، لا يمكن أن يبنى على جريمة ولا توجد منظومة سياسية أو ديبلوماسية يمكن أن تسوغ هذا المشروع الهمجي.
في حالة الشعوب التي تأتيها الحرب عقب حروب شعوب أخرى، يكون التاريخ ضرورة سياسية وديبلوماسية، لا يمكن أن نغفل أو نقتصد في استحضار ما راكمته الشعوب عبر تاريخها السياسي من حروب وديبلوماسية، وكما يمكن أن نقرأ المشهد من زاوية الجلاد، يمكن أيضا أن نقرأه من زاوية الضحية، بعد أن يتم إنصافها، ويمكن إذاك أن يصبح الحديث عن معايير موحدة، في الحق وفي الباطل .
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 02/12/2023