قال أَوَ لمْ تُؤمن؟ قال بلى…
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
عن اللقاح – النموذج التنموي – مجيء بايدن – تقرير لجنة المحروقات …
يفصلنا أقل من يوم واحد عن تنصيب الرئيس الأمريكي الفائز جو بايدن. وليس خافيا أن جزءً من الرأي العام المغربي، يتابع بغير قليل من التساؤل، ما سيلي دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض ومباشرته لأعمال الرئاسة، لا سيما النقطة المركزية في الوعي الوطني التحرري، نقطة الصحراء المغربية.
في التعامل مع مواقف بايدن، المستقبلية، هناك ثلاثة مواقفَ إجمالا:
– موقف أولي عام، يستند على طمأنينة كبيرة تقول لنا بأن »ننام على جنب الراحة«، لأن المغرب حقق مكسبا غير قابل للتصرف ولا التراجع، وأن الدولة التي قامت بهذه الخطوة دولة مؤسسات، وليست دولة الحزب الواحد ولا الرجل الواحد ولا النظام المغلق، وهوما يعني أننا اخترنا معسكرا مبنيا على تداول السلط والتناوب السياسي، ونحن على بيّنة من تغيير الأغلبيات فيه. ينضاف إلى ذلك، أن مؤشرات أخرى، قبل وبعد الاعتراف بالسيادة، تبين تجاوز الخطوة الأمريكية لحيثيات الانتخابات الرئاسية، ومن ذلك إدراج هاته الخطوة في تاريخ بعيد من العلاقات،وتتويجا لمسار من التعامل الإيجابي مع اقتراح الحكم الذاتي، منذ عهد كلينتون الديموقراطي، مرورا بالآخرين جمهوريين أو ديموقراطيين، كلهم أكدوا أولوية الحكم الذاتي كأفق للحل السياسي الدائم والسلمي.
ونستحضر في هذه الزاوية، تاريخا من التعاون الأمريكي المغربي، في الميدان العسكري، والذي قلما يتأثر بتغير الأغلبيات، بناءً على وجود أكبر مناورات عسكرية في بلادنا، باعتبارها البلد الوحيد من خارج الناتو، يضاف إليه، في هذا البناء العسكري، توقيع اتفاقية تعاون عسكري، تمتد إلى 2030، في أكتوبر الماضي..
زد على ماسبق، وجود تعاون اقتصادي فريد، ليس أقله اتفاقية التبادل الحر، ولا آخره آفاق التعاون الأمريكي الافريقي من البوابة المغربية، والشراكة المغربية الأمريكية في العديد من القضايا الديبلوماسية والتشاور ( الشرق الأوسط – الخليج بالتحديد وتحقيق المصالحة الخليجية بوجود أمريكي يتلاقى مع أفق مغربي، الشراكة في الملف الإيراني والفنزويلي والليبي، من زوايا معالجة متقاربة في مساحات تتوزع بين الحرب والسلم والحروب الباردة …) .
مؤسساتيا، تستند هاته الرؤية إلى دخول الاعتراف المغربي إلى تراث الإدارة الثابتة لأمريكا، وأن سندها المؤسساتي الشرعي، يجعل من الصعب التراجع عنها، باعتبار انعدام وجود سوابقَ من هذا الحجم .
و يذهب التحليل إلى أن الذي قد يحصل، هو في وتيرة تنفيذ الالتزامات، وليس في جوهرها.
– في المقابل هناك موقف آخر، تُؤججه وتسعره أيادٍ متعددة، منها الذين ينتظرون من بلادهم أن تخسر لكي يحتفلوا، وهم بلا عنوان ولا أرض ولا موقف وطني بالرغم من كل اللبوسات الثورية، وهناك بالمقابل الطلقات التي تسدد نحو بلادنا بهذا الخصوص من كل جانب..
وتجعل المستقبل يطرح علينا سؤالا حول مآل هذه الضغوطات على الإدارة الأمريكية…ومدى تأثيرها في التوجهات الكبرى أو الميدانية للإدارة المقبلة.
وقد نذهب إلى حد طرح السؤال: هل يمكن أن تعطل الضغوطات التدبير السلس لاعتراف أمريكا بسيادتنا على صحرائنا، أو نسمع أصواتا أخرى اختارت الإدارة السابقة عدم الالتفات إليها؟
ومن حقنا، نحن الذين نؤمن بأن بلدنا دوما على حق.و أن نجد الجواب لطمأنة الرأي العام، وتنسيب انتصاراتنا بفعل موازين القوى، وتغير المزاج العام وليس المعادلات الموجه لمصالح أمريكا في علاقتنا معها.
في الديبلوماسية، من المثير أن دولة مثل اسبانيا، تتحرك بدعواها إلى إعادة النظر في قرار ترامب، إذ يبدو لها وكأنه تجاوزها كقوة استعمارية، في الوقت الذي تجاوزنا فيه – معا – الكثير من المطبات الثنائية والجماعية في حوض المتوسط.
ماذا تعني مواقف اسبانيا، ولا سيما التي كتب عنها إعلاميون ورجال استراتيجيات اسبان يدعونها إلى إعادة النظر في سلبيتها الآنية؟
لا نقف هنا عند مواقف لوسيا مينوز وانتون غوميز راينو (بوديموس) وخوان خوسيبي (اليسار الجمهوري الكتالوني) ،الذين راسلوا جو بايدن للتراجع عن قرار ترامب ولا الذباب الانفصالي الاسباني الذي يسايرهم، بل نتحدث عن الدولة، ونحن نعرف بأن الرئيس الحالي للحكومة الاسبانية سبق له أن نبه زعيم بوديموس إلى أن القضية الديبلوماسية حول الصحراء قضية دولة..
فما الذي يدفع الاسبان إلى برودة ظاهرة للعيان: هل هو الاصطفاف مع الموقف الأوروبي، أم هو تجاوز الاعتراف مواقف اسبانيا الإيجابية منا؟
لا بد من طمأنة الرأي العام، خصوصا وأن بلاد أخرى، هي بريطانيا قد صارت وجهة إضافية لأنصار الانفصال والضغط ببريطانيا على أمريكا.
والضغوط، لا تقف عند التراجع عن موقف الاعترا ف، بل تذهب أحيانا إلى الدعوة إلى استفتاء لم يعد واردا حتى في أجندات الأمم المتحدة، وقد كان لافتا للغاية ما نشر عن الرد المكتوب لجيمس كليفرلي وزير الدولة البريطاني المكلف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أسئلة تقدم بها ، أليكس سوبيل، الوزير المكلف بالرقمنة والثقافة والإعلام والرياضة في الحكومة البريطانية ، حيث ادعى «أن المملكة المتحدة تدعم بشكل كامل، الجهود التي تقودها الأمم المتحدة للتوصل إلى حل يمكن الشعب الصحراوي(كذا!) من حق تقرير المصير».
ومن الأشياء التي أثارت العبد الفقير لربه، حشر مؤشر «داو جونز» في هذه الحرب الدعائية بتنويع جبهتها وضم الجبهة الاقتصادية فيها. من خلال مؤشر “داو جونز” الأمريكي لتقييم المخاطر، والذي يتحدث عن » تعرض الشركات المشاركة في الاستثمارات والأعمال بالمنطقة للخطر، حيث إن العواقب القانونية والاقتصادية للنزاع قد تضاعفت خلال السنوات الأخيرة!».
وهو ما يستوجب منا توضيحات للرأي العام، في الديبلوماسية الاقتصادية المناهضة لنا، لا سيما وأن
صندوق الاستثمار “ستور براند” النرويجي يهدد بما يسميه “القائمة السوداء” في حق الشركات الدولية ، ومنها الإسبانية “سيامنس غاميزا” و الالمانية “سيامنس اينرجي أي جي” و الإيطالية “اينال سبا”.
وبدون تفاصيل مملة حول القوة أو الضعف في هذه الحملة، هناك إرادة واضحة في نشر مناخ غير صحي حول القرارات الشجاعة للإدارة الأمريكية بخصوص الصحراء، ومحاولة فرملة انعكاساتها الاقتصادية لدى الرأي العام ..
– هي حرب مفتوحة إذن علينا، قد تفسر الموقف الثالث، والذي يتمثل في الإيمان بما تحقق، لكن بنفس ابراهيم واضح.
قال أوَ لمْ تومن قال بلى، ولكن ليطمئن قلبي..وإذا كان نبي كإبراهيم عليه السلام، خليل لله، قد ساوره بعض السؤال- حتى لا نقول الشك- فمابالك بعباد لله الفقراء إلى يقين لله من المغاربة، أمام هذا السيل من الطلقات التي تصوب إلى صدورنا، وهو ما يجد تعبيره السياسي، في التفكير بأن المستقبل قد يخبىء لنا، كموقف ثالث، حالة مزدوجة، مفادها: لا سبيل إلى تخييب ظن المغرب، ولكن لا ضرورة لإغضاب خصومه من الجزائر وتوابعها..!
وهو ما قد يدفعنا إلى الاعتقاد بتجميد دينامية الاعتراف، في الأفق المنظور.. أو على الأقل إلى حدود أبريل، حيث سيكون مجلس الأمن مطالبا بالنظر في القضية الوطنية كالمعتاد، ويكشف لنا موقف الإدارة الجديدة من الاعتراف..
إننا متفقون على دخول المنطقة إلى معادلة جديدة لا تقف عند الاعتراف بشرعيتنا في صحرائنا، بل تتعداها إلى شراكة في السلم بالشرق الأوسط، وتثبيت الشراكة مع دول الخليج بدعم المصالحة بين دولها، وهي تركيبة ثلاثية قد يكون المس بضلع من أضلاعها مسا بالتركيبة كلها، لكن في السياسة تكون القدرة على المفاجأة، هي ما يميز كل حرب من حروبها، أكانت سلمية أم عسكرية..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 19/01/2021