قانون المالية ومستلزمات الحوار الاجتماعي: الحسابي والمجتمعي!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

من بين الأشياء الأكثر منظورية، سواء في تشريح البنية العامة لقانون المالية أو في الخطاب الذي أنتجته الحكومة حوله، نجد أن الحوار الاجتماعي يحتل الصدارة..
وقد برز الملف الخاص بالحوار الاجتماعي بقوة في خطاب لجلالة الملك، الذي حدد فيه الأولويات التنفيذية للحكومة.
ويجب التذكير أن الدعوة الملكية إلى هذا الملف، جاءت في خطاب العرش للذكرى 19، في يوليوز 2018.
وقد دعا الملك بلا مواربة إلى”الإسراع بإنجاح الحوار الاجتماعي” في عز التوتر بين المركزيات النقابية والجهاز التنفيذي…
وبالرغم من أن العنوان الأبرز كان هو اعتبار الحوار الاجتماعي مدخلا، “قصد بلورة ميثاق اجتماعي متوازن ومستدام، بما يضمن تنافسية المقاولة، ويدعم القدرة الشرائية للطبقة الشغيلة، بالقطاعين العام والخاص”، فإنه ارتبط خصيصا بالملفات المطلبية المعبر عنها من طرف النقابات …
وكذلك كان، عندما تم التوقيع يوم الخميس 25 أبريل 2019 على الاتفاق الاجتماعي المتعدد الأطراف…، وهو اتفاق ثلاثي الأطراف يمتد على ثلاث سنوات (2019-2021) بين الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب وكل من الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، بصفتها مركزيات نقابية أكثر تمثيلية.
وعموما حصل التوافق على:
1 – الزيادة العامة في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري كما يلي:
• مبلغ شهري صاف يقدر بـ 500 درهم بالنسبة للمرتبين في السلاليم 6 و7 و8 و9، وكذا في الرتب من 1 إلى 5 من السلم 10 (أو ما يعادل ذلك)، تصرف على أساس 200 درهم ابتداء من فاتح ماي 2019، و200 درهم في يناير 2020، و100 درهم في يناير 2021.
• مبلغ شهري صاف يقدر بـ 400 درهم للمرتبين في الرتبة 6 من السلم 10 وما فوق، تصرف على أساس 200 درهم ابتداء من فاتح ماي 2019، و100 درهم في يناير 2020، و100 درهم في يناير 2021.
• الرفع من التعويضات العائلية بـ 100 درهم عن كل طفل، في حدود ثلاثة أطفال ابتداء من فاتح يوليوز 2019.
• إحداث درجة جديدة للترقي بالنسبة للموظفين الذين ينتهي مسار ترقيتهم في السلمين 8 و9.
• تحسين شروط الترقي بالنسبة لأساتذة التعليم الابتدائي وملحقي الاقتصاد والإدارة وكذا الملحقين التربويين المرتبين حاليا في الدرجة الثانية والذين تم توظيفهم لأول مرة في السلمين 7 و8.
• تحسين شروط الترقي لمجموعة من الفئات بقطاع التربية الوطنية.

2 – القطاع الخاص:
• الرفع من الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات في القطاع الخاص (SMIG) بنسبة 10 في المئة على سنتين، 5 في المئة ابتداء من يوليوز 2019، و5 في المئة في يوليوز 2020.
• الرفع من الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي (SMAG) بنسبة 10 في المئة على سنتين، 5 في المئة ابتداء من يوليوز 2019، و5 في المئة في يوليوز 2020.
• الرفع من التعويضات العائلية بـ 100 درهم عن كل طفل، في حدود ثلاثة أطفال ابتداء من فاتح يوليوز 2019.
وبهذه المناسبة، وقف الموقعون عند الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، الذي دعا فيه إلى “استحضار المصلحة العليا، والتحلي بروح المسؤولية والتوافق، قصد بلورة ميثاق اجتماعي متوازن ومستدام، بما يضمن تنافسية المقاولة ويدعم القدرة الشرائية للطبقة الشغيلة بالقطاعين العام والخاص”.

ويأتي هذا الاتفاق تتويجا لسلسلة من الجلسات والجولات في إطار الحوار الاجتماعي الذي حرصت الحكومة، إلى جانب الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، على إنجاحه، إذ توجت هذه الجهود الجماعية ببلورة هذا الاتفاق الهام الذي سيسهم، مما لا شك فيه، في إرساء قواعد السلم الاجتماعي، وفي تحسين الأوضاع الاجتماعية ببلادنا، وكذا تقوية الاقتصاد الوطني من خلال مناخ اقتصادي واجتماعي سليم.
كما سيسهم هذا الاتفاق في ترسيخ وتعزيز الثقة بين الإدارة ومختلف الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، بما يساعد على تشجيع الاستثمار وإحداث فرص الشغل لفائدة الشباب، وتنمية موارد الدولة التي ينبغي توجيهها، على وجه الخصوص، لتوفير الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وسكن لفائدة مختلف الفئات الاجتماعية خاصة منها الفقيرة والهشة.
ومن الواضح أن هذا الاتفاق سيكون بمستطاعه، عبر الأموال المرصودة له بما قدره 11 مليار درهم على ثلاث سنوات، أن يؤدي إلى تحريك الاستهلاك والتشجيع على الطلب والرفع من النمو بلا شك، علاوة على دعم القدرات الشرائية للمواطنين…
وفي اقتصاد كالاقتصاد المغربي الذي يشكل فيه الاستهلاك محركا اقتصاديا، ترتبط الدورة الشاملة ومصير الطبقات المتوسطة بهكذا توجه…
وكلما تضاءل تزايد الأجور تضاءل الاستهلاك أو تقلص أكثر، وتقلص النمو، في معادلة يعرفها الجميع..
بعض المضاعفات الضريبية، ستساعد حتى المقاولات، بالزيادة في قدرتها الشرائية ( أليست المقاولات بدورها مستهلكة ويمكنها الإنقاذ، حتى في الخارج !)، وقد يكون لذلك تبعات على توازن داخلي، لا سيما وأن تحسين القدرة الشرائية للأسر المتوسطة والبسيطة هو الذي يرفع من النمو، والحال أن من الممكن في سياسة ضريبية غير عادلة أن يأخذ التضريب المبالغ فيه على الأجراء إلى تحجيم استفادتهم من آثار الزيادة في الأجور وفي التعويضات.
الملاحظة الأولى:
حجم الخصاص الاجتماعي، يفوق بكثير ما تم التعبير عنه في المفاوضات الاجتماعية، لأنه يشمل مجالات لا تدخل في تصنيف الحوار الاجتماعي الممأسس، وبعبارة أخرى فهو يمس فئات لا تجد في التمثيلية النقابية، كيف ما كبرت، صوتها المعبر عنها.
وقد شاهدنا كيف أن الاحتجاجات الجديدة، باعتراف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تغيرت، في حين أن الهياكل التمثيلية لم تتغير.
ويضاف إلى ذلك أن السخط العام الذي نلمسه والاحتقان الذي يتراوح بين التعبير الفردي( الفيديوهات) والتعبيرات الجماعية ( أغاني، وتجمعات وتظاهرات ) لا ينكرهما أحد، وهو تعبير عن ضعف التأطير المؤسساتي، بسبب ضعف الوسائط الاجتماعية.. بمعنى هناك فرق بين الاحتجاج المهيكل والاحتجاج غير المهيكل!
الملاحظة الثانية:
الحوار الاجتماعي، في عمقه يجب أن يقودنا إلى إعادة هيكلة شاملة وعميقة، للبرامج والسياسات الوطنية، في مجال الدعم والحماية الاجتماعية…وهو مالم يحدث لحد الساعة، وقد تكون مناسبة تشكيل اللجنة الوطنية للنموذج الاجتماعي الجديد فرصة لمباشرته بعيدا عن التوازنات الماكرو اقتصادية …
الملاحظة الثالثة: هناك طلب متزايد على … الدولة!
وهو ما يشكل لوحده موضوع تفكير عميق، والدولة هنا بمفهومها الكياني ( الحاضن الشامل،) أو بمفهومها الأدائي( الجهاز) بكل أذرعه (سنعود إليه )…
وعليها تدبير المنحى المتصاعد، فنحن لا نقدم قتورا اقتصاديا للمجال الاجتماعي في ظروف عادية، فالمحيط يغلي والشعار العام هو التفاوتات الطبقية، والوضع الاجتماعي في محيطنا القريب والبعيد يصدر إشعاعات غير مطمئنة، ما زالت لحد الساعة في مؤشرات متحكم فيها.
وعليه فإن الحديث فقط عن الأرقام والمعادلات والتوازنات المحاسباتية لن يكون هو الحل أو الطريق للسلم الاجتماعي والاستقرار المجتمعي..
أي دولة لا يمكنها أن تغفل تلاقي حالات الغضب، convergence des protestations et des colères ، بل إن شراء السلم الاجتماعي بدون ما دعا إليه الملك من إعادة تأهيل شاملة، أي سلام مع بقاء الوضع على ما هو عليه، خطأ كبير للغاية !

(غدا: الأمني مقابل الاجتماعي؟)

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 21/11/2019