قراءة أولية في القرار الصادر عن المحكمة الأوروبية..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com

يأتي القرار الصادر عن المحكمة الأوربية معاكسا للتوجه العام للقرارات التي تساند 19 دولة من دول اتحادها الأوروبيـ المقترح المغربي حول الحكم الذاتي. ونعتقد بأنه
لا أحد سيتعامل مع قرار المحكمة الأوروبية بمنطق القضاء، بقدر ما ستكون نفس الملاحظات التي سبق أن أبداها في 2021 صالحة للمعالجة أي المقاربة السياسية الإيديولوجية..
وقتها كان أول رد مباشرة بعد صدور القرار، هو الرد الأوروبي – المغربي المشترك، أي بيانهما بأن الكيان الأوروبي، المخول قانونيا وسياسيا واقتصاديا لتمثيل أوروبا، وقَّع هو والكيان المغربي، ممثلا في الدولة المغربية، بيانا مشتركا حول الموضوع.
وإذا كان البيان المشترك واردا، فإنه لا يعني سوى أمرين اثنين:
أن الكيانين، جسد واحد في رفض القرار وآثاره المفترضة، وهو ما يعني أن الاتحاد الأوروبي والمغرب بذلك، يواجهان معا الخصم الذي يقف وراء القرار وبواعثه السياسية.. ومقدر عليهما ومحكوم عليهما بذلك.
أن العلاقات التجارية لن تتوقف، وأن القرار لن يكون له أي أثر فعلي على التبادل التجاري والتعاون. فالذي يُصدِّر سيواصل التصدير، والذي يستورد سيواصل الاستيراد..
وللتذكير، فالمجلس الأوروبي سبق له أن أعلن بأن الطرف المدعي عبر محاميه والأحزاب العجيبة في البرلمان، أي البوليزاريو، ليست له أي صفة ترافعية إزاء المحكمة..
وبالتالي هذا فسر في ما مضى غيابه عن المحكمة و نزع أي صفة ترافعية عنه، ومن ثمة أية آثار للقرار.. الجديد في القرار هو التنصيص على الوليزاريو وعلي كونه« طرفا» في النزاع. وهو الموقف السياسي للمحكمة!
-الملاحظة الثانية هي أن المغرب ليس طرفا في القرار، باعتبار أن الدعوى القائمة رفعت ضد المجلس الأوروبي، أو مجلس أوروبا، وهي الجهة التنفيذية في القارة.
– الملاحظة الثالثة: هذا فيلم سبق للمغرب أن شاهده في 2015، فيلم عن حرب سياسية بِلُبوس قانونية، وكثير من الإيديولوجيا المناهضة وقليل من القانون، والكثير من الحشو يبدو ظاهريا قانونيا، لكنه لا يمت إلى طبيعة الاتفاقيتين المعنيتين به. وبلغة أهل القانون، فالحيثيات أغلبها سياسية واعتباراتها إيديولوجية، لا تمت بصلة لمضمون الاتفاقيات.
وعندما يكون قرار بهكذا شكل، فهو يحمل في الغالب البصمات التي تجعله غير منسجم، ولا يراعي تحولات كبيرة تحدث في علاقة كيانين يبنيان موقفا موحدا عندما يتعلق الأمر بالتعاقد بينهما..
لقد تبين في حرب البرلمان الأوروبي، أيام الأزمة الإسبانية كما في المحكمة الأوروبية الآن، أن الفضاءين اللذين يخضعان للتأثير، السياسوي والإعلامي، وحيث تتلاقى مويجات التيارات السياسية الإيديولوجية، غالبا ما يكونان ساحة للتصعيد ضد المغرب، في حين تبقى المؤسسات التي تدير وتسير وتقرر في الاتحاد الأوروبي، وهما اللجنة والمجلس، بعيدة عن التأثير وحريصة على استمرار التعاون..
التفكير المغربي على المستوى الاستراتيجي، غير محكوم بما ورد في القرار الصادر عن المحكمة: فهو يخضع لاعتبارات أخرى:
أولها الاعتبار المبدئي، ومفاده – حسب ما عرضه وزير الخارجية – أن المغرب يأمل في إقامة شراكات أكثر تقدما، حيث “تكون القيمة المضافة المغربية أقوى”.
الاعتبار الثاني يتمثل بمشروعه الوطني في الصيد البحري “أليوتيس” ووضع رؤية مخصصة لتطوير القطاع، تأخذ في الاعتبار وتقتضي الملاءمة في إطار التفاعل مع الشركاء، وهو مخطط محكوم بنتائجه الوطنية وانعكاساته على تطلعات الفاعلين الوطنيين بدون تغييب الشركاء الدوليين ومنهم الأوروبيين.
الاعتبار الثالث وهو مرتبط بالمستقبل الخاص بالمورد البحري وعلاقته بالنسبة لأجيال المغرب القادمة، والعمل على تطوير الجانب العلمي المرتبط به.. وهو الاقتصاد الأزرق الذي شرع المغرب في بلورة خاناته.
الاعتبار الرابع وهو استحضار مصالح شركاء المغرب. وقد سبق للسيد بوريطة أن أكد أن بلادنا “ستتفاعل، بذلك، مع الجانب الأوروبي على أساس هذا التفكير.”
قرار المحكمة ليست له أية عواقب على المدى القصير. فمدة اتفاق الصيد انتهت في يوليوز 2023، فيما مددت المحكمة لسنة، اعتبارا من الجمعة، تطبيق الاتفاق المتعلق بالمنتجات الزراعية.
يحضرني ختاما تفكير عبد الله العروي في كتابه الأخير “دفاتر كوفيد “، حيث يقول”إن الجزائر، وإن كان يحكمها المسنون المخرفون والعسكر غير الفاهمين، فإنه يمكنها أن تدفع مالا لأحسن رجال القانون والقضاء في العالم كما يحدث في المحكمة الأوروبية”! وهو ما يتأكد اليوم، بل يتأكد أن تحذيره كان في محله!..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 05/10/2024