قراءة في انتخاب المغرب عضوا في مجلس الأمن الإفريقي..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
انتخب المغرب عضوا في مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الإفريقي لولاية ثانية مدتها 3 سنوات..
السياق له معناه في هذاالانتخاب: فالمجلس، وكما يدل عليه اسمه، هو دائرة للعمل وهيئة لاتخاذ القرار في كل ما له علاقة بالسلم والأمن …
في القارة اليوم أربعة انقلابات (انظر مقالتنا أول أمس) في مالي، غينيا وبوركينا فاسو وغينيا بيساو..
كعناوين كبرى للااستقرار وانتفاء الحلول العملية لكل الاستعصاءات السياسية أو الأمنية، لا سيما مواجهة الإرهاب.
والمغرب له وصفته وتجربته التي يمكنه تقديمها للقارة كتجارب ناجحة وفعالة، سواء في الحل السياسي (النموذج الليبي) وفي محاربة الإرهاب من خلال الشراكة الدولية الكبرى التي اكتسبها بفعل قوته الأمنية والاستخباراتية…
الأمران معا وجهان لعملة واحدة: لا أمن بدون محاربة الإرهاب، ولا ديموقراطية بدون إنهاء العنف والعكس صحيح..
خلاصة القول في هذا الباب. وفي السياق الإفريقي ذاته مناطقيا، يُقرأ التصويت بناء على ما يجري في غرب القارة، من حلول عنيفة ذات الصلة بالوضع السياسي والميل إلى إجهاض الحلول الديموقراطية، وتفكك الدول في مواجهة الإرهاب ومخلفاته، إضافة إلى ما يطرحه ذلك من نزوع نحو الانعتاق من القوة التقليدية وعلى رأسها فرنسا (السيادة القارية)
2 – الأصوات المحصل عليها أيضا استرعت انتباه المتتبعين والمحللين، فالمغرب حصد ثلثي الأصوات…
وبذلك يتبين أنه استطاع، منذ عودته سنة 2017 إلى أسرته المؤسستية، الاتحاد الإفريقي، أن يفرض إيقاعه في العمل ويحقق حول أسلوبه في المعالجة،غير يسير من التوافقات في القارة الإفريقية.
ما كان للمغرب أن يحقق ذلك، بدون ثقة كبيرة وفاعلة تتحول إلى فعل مادي وتعبير ملموس، يجسده هذا التصويت..
وما كان لهذا التصويت أن يكون بدون موافقة على الأفكار والأسلوب في تنفيذها المقترح من طرف المغرب..
في تدبير الزمن أيضا ما يستحق الانتباه، ونقصد أنه منذ أقل من أربع سنوات خلت، يكرر المغرب دخوله إلى هذا المجلس، إذ سبق أن انتخب في سنة 2018 من طرف الجهاز التنفيذي للاتحاد الإفريقي، في مجلس الأمن والسلم الذي كان المعقل الرئيسي لمنافسيه وخصومه،.. يجب أن نستحضر أدوار هذا المجلس لا سيما عند إصدار. القرار المعتمد في 9 مارس 2021 والذي أراد أن يجعل من الاتحاد الإفريقي طرفا في النزاع المتعلق بالصحراء المغربية، والسعي نحو نزع حصرية الأمم المتحدة في تدبير الملف.
وكان القرار. الأخير لمجلس الأمن الدولي قد أعاد التأكيد على هذه الحصرية…
وكان المجلس أيضا منصة لإحياء الحديث عن قرارات انتهت مدة صلاحياتها، كما هو شأن قرار 690 الصادر في 1991..
ولا يمكن أن ننسى دوره السابق في عز الأزمة 2013، حيث كان منصة عدوانية كبيرة وقت كانت تملي فيه الجنوب إفريقية قراراتها. الفترة التي تولى فيها الجزائري إسماعيل شرقي تدبيرها، الكارثي..المنحاز.
وقد انتخب في سنة 2013 على رأس المفوضية لمدة أربع سنوات. وأعيد انتخابه في2017 خلال أشغال القمة 28 لمنظمة الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا.
يشكل انتخاب وتعيين خمسة عشر عضوا بمجلس السلم والأمن بالاتحاد، إحدى أقوى اللحظات في أشغال القمة الإفريقية. وكان لافتا أن المغرب دخل عضوا بمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي لولاية من سنتين ما بين 2018-2020، أي في السنة التي سيغادر فيها الجزائري إسماعيل شرقي هذا المجلس، وكانت فرصة ساهمت خلالها المملكة بشكل بناء في «تحسين أساليب العمل وإرساء ممارسات جيدة».
وهي فقرة تذكر بموقف المغرب في نونبر 2021 الماضي، عندما دعا إلى إصلاح هياكل وطرق عمل مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد لتحقيق »مزيد من الشفافية والاحترافية».
وأكد ناصر بوريطة وقتها أن المغرب مستعد ليساهم بشكل فعال ومباشر في دعم كل المبادرات لمراقبة الانتخابات وعمليات حفظ السلام وتدبير الأزمات، مذكرا بأن الاتحاد الإفريقي عانى لسنوات من نظرة سلبية وضيقة» وهي إشارة إلى حقبة كانت تولت فيها الجنوب إفريقية دلاميني- زوما رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي..
ولعل إعادة الثقة فيه بتصويت دال للغاية، تعني مصادقة على خطة عمله في تحسين حكامة
المجلس والاتحاد عموما..
ولاسيما بعد أن أصبحت مفوضية الاتحاد، التي كانت رهينة العقلية الضيقة، »في أياد أمينة«..
أساليب العمل والمسارات الجديدة التي وردت في بلاغ الإخبار الخاص بانتخاب المغرب، يمكن تلخيصها إذن في الأعراف المغربية وخارطة طريق ديبلوماسيتنا في تحرير الجهاز التقريري والتنفيذي للاتحاد من هيمنة شبه وراثية للدول التي كانت تعتبر نفسها مجلس الأمن الافريقي وصاحبة الفيتو
وهي جنوب إفريقيا والجزائر ونيجيريا إلى حدود معينة.
وهو المحور نفسه الذي كان على المغرب أن يواجهه باستمرار، واستطاع كسر شوكته وتغيير معايير العمل معه، لاسيما بعد الشراكة التي ربطته مع نيجيريا، بواسطة العقد في هذا المحور، والانتقال الى العمل المشترك ضمن معادلة رابح رابح
..
وهذا المحور عول بشكل غير يسير على التحرك الألماني في السنتين الأخيرتين، وعول كثيرا على الوزن الألماني في عرقلة الريادة الإقليمية والتطور المغربيين لفائدة عناصر المحور المذكور الذي يعتبر عتبة برلين في إفريقيا..
التحول الألماني الأخير كانت له ولا شك انعكاساته في طموحات المحور المناهض للمغرب..
الدول التي تعتد بريادتها السابقة،لا يمكنها أن تغفل تنامي القوة والإرادة المغربية في قراءة هذا التصويت. وهو ما لا يغفله المحللون في كل دوائر الاهتمام في غرب المتوسط وجنوب الصحراء والساحل.
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 05/02/2022