قراءة في خيبة البوليساريو والجزائر..
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
البوليساريو تعبر عن خيبة أملها من اجتماع مجلس الأمن، ومنذ انتهاء أشغال الجلسة المغلقة وهم في حيص بيص…يطالبون بتعيين المبعوث الشخصي للأمين العام ثم يصرخون بأن مناقشة الأمر ليس غاية في حد ذاته وأنه سيقزم القضية…! يعلنون انتهاء وقف إطلاق النار ويريدون من المجلس إدانة المغرب الذي يعلن تشبثه به.. وبالعملية السياسية…وغاضبون أيضا لأن أعضاء المجلس لم يناقشوا مقترحات أنصارهم بقبول الجمهورية الوهمية في صفوف الأمم المتحدة، والعودة إلى أسطوانة الاستفتاء و..وأسقط في يدهم بسبب سقوط محاولة حشر الاتحاد الإفريقي في المعادلة الصحراوية…
- —
عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أول أمس الأربعاء، اجتماعه التشاوري المغلق نصف السنوي حول الصحراء المغربية.
وجرى هذا الاجتماع في أجواء يطبعها الهدوء، وانتهى بدون إصدار أي بيان.
قبل الاجتماع كان أفق الانتظار الدولي والوطني، مختلفا من عاصمة إلى أخرى.
بالنسبة للمغرب، يعتبر الاجتماع عاديا، تقليدا أمميا لا يحمل اي جديد، تطبعه الإحاطات التي تتقدم بها الدول الاعضاء بدون الحاجة،مبدئيا ومسطريا إلى بلاغ أو قرار. فهو يشبه أي اجتماع في منتصف الولاية.
و من جهة أخرى، لعل الذي كان يستأثر بالاهتمام سؤال ضمني: كيف ستتصرف الولايات المتحدة الامريكية، في أول حضور لها في المجلس، تحت قيادة جو بايدن، وما هو موقف ممثلها في المجلس من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه؟
وكانت ديبلوماسيات الخصوم، وحتى بعض الأصدقاء في الجوار المتوسطي، قد عملت كل ما لديها لكي يتم الإعلان عن تراجع واشنطن عن موقفها من قرار ترامب، بل بلغت إلى حد التشكيك في سيادة أمريكا على قرارها، وتعالت العرائض والتصريحات، بمن فيهم اللوبي الجزائري في أوساط الأمريكيين، من قبيل المبعوثين السابقين كروس وبيكر وبلوتون.
خاب هذا الأفق الذي رعته الأماني المعادية.
ولم تسحب الولايات المتحدة اعترافها، ولا فكرت فيه ولا كان شيء يقارب ذلك.
وتكرر نفس الشيئ، كما حدث في اللقاء عبر الفيديو الذي جمع انطوني بلينكن و غوتيريش الذي سار في هذا المنحى، قبل شهر تقريبا، وذكرت تقرير للخارجية الأمريكية أن المعنيين ناقشا الأمر مع الحفاظ على الوضع كما تركته الإدارة السابقة.
وما زالت تقدم القرارات للنقاش، وتصوغ البيانات المطلوبة.
المجلس انتهى بدون إصدار أي بيان، وهو ما يبين بأنه لم يكن برهانات محددة كما أريد له.
وقد سبق أن انعقد مجلس من هذا النوع، بطلب من ألمانيا، في منتصف دجنبر من العام الماضي، وذلك بعد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة المغرب..
وكانت وقتها السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، قد أرسلت إلى الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش وإلى مجلس الأمن نسخة من إعلان ترامب.. ومن حيث التوازي، فإن الاجتماعين انتهيا إلى نفس النتيجة، شكلا!
وعدم إصدار بيان، يعني بأن القرارات السابقة والوثائق السابقة والبيانات السابقة ما زالت سارية المفعول، وهي التي تؤطر عمل الأمم المتحدة ومواقف مجلس الأمن..
في المقابل الذين كانوا ينتظرون منه شئا خارقا هم الذين آمنوا بأن هناك وضعا جديدا واستثنائيا يدعو الي موقف استثنائي، وحاولوا بالفعل الادعاء بوجود حرب عالمية ثالثة في الصحراء، وأن الدمار قادم، والوضع متأزم عسكريا وسياسيا و حقوقيا الخ… هؤلاء أسقط في ايديهم!
القراءة الأولية لموقف البوليساريو،كتعبير عن معسكرها من الاجتماع تبين صدمة كبيرة.
ففي البلاغ الذي تمت إذاعته :
كانت الدبلوماسية العدائية تنتظر تحميل المغرب مسؤولية خرق وقف إطلاق النار. وهو موقف مرتبك للغاية ومتضارب يظهر الشلل والقدرة على تقدير الموقف: فالبوليزاريو كانت أول من أعلن الخروج من اتفاقيتها مع الأمم المتحدة حول وقف إطلاق النار، وهي التي تصدر يوميا بيانات، تجاوزت المائتي بيان عن الحرب والكر والفر، وكانت ، كما يقول البيان تنتظر من مجلس الأمن “تحميل المغرب المسؤولية الكاملة عن العواقب الخطيرة لخرق وقف إطلاق النار لعام 1991 والاتفاق العسكري رقم 1 »!!!
بالرغم من عدم صدور بيان، يتضح من التقارير التي نشرت أن الاتجاه صار ضدها، وأن المناقشات انكبت على ضرورة التعامل الإيجابي مع المينورسو!
وهو ما يمكن للمغرب أن يحسب نقطا لصالحه، فهو أشرك المينورسو في قضية الكركرات، كما أشركها في مراقبة الوضع السلمي والهادئ للصحراء، عكس التقارير الكاذبة حول وجود الحرب.
وسبق لعمر هلال أن راسل مجلس الأمن حول هاتين النقطتين عندما فند وجود الحرب، وأثبت عدم تعاون الميليشيات مع العصبة الأممية في أداء مهامها.
ومعلوم أن جلالة الملك كان قد أجرى في سياق عملية تطهير الكركرات، ،يوم 16 نونبر 2020 ، مكالمة هاتفية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وهوما يعني أن الأزمة كانت قبل تطهير الكركرات وليس الآن..
وجلالة الملك جدد التأكيد على تشبث المغرب الراسخ بوقف إطلاق النار. ومواصلة دعم جهود غوتيريش في إطار المسلسل السياسي.
وحسب مصادرمغربية فإن مجلس الامن، اعتبر أن هذا المسلسل يتعين أن يستأنف على أساس معايير واضحة، ويشرك الأطراف الحقيقية في هذا النزاع الإقليمي، ويمكن من إيجاد حل واقعي وقابل للتحقق في إطار سيادة المملكة.
بخصوص الأفق السياسي، ما زال المغرب متشبثا به، في الوقت الذي أظهر بلاغ العصبية والصدمة أن الأفق الذي تقترحه الميليشيات وداعميها هو التهديد بالحرب، وكما يظهر من البيان « إزاء تقاعس الأمم المتحدة، فإنه ليس هناك خيار سوى مواصلة كفاحه ..«.
النقطة الثانية هي ان التعبئة العدوانية ضد المغرب، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مقال سابق، ركزت على العمل على خمسة مستويات :
- الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، وقد نطق أكثر من انفصالي بهذا الخصوص، ولم تتم فيه ولو خطوة صغرى
- وقضية الاستفتاء، وكانت الجزائر تراهن على أن الوضع التوتري المزعوم والهجمات التي تعلن عنها في كل يوم قادرة على أن تعطي وضعا مغايرا لما هو عليه الحال في الصحراء..
ومن ذلك تحديد تاريخ معين للاستفتاء.
والواضح أن هذا الأمر لم يحدث، ويبدو من قراءة البلاغ الصادر عن البوليزاريو أن الصدمة كانت كبيرة..
المبعوث الشخصي للأمين العام ، الذي كان محور تحركات مسترسلة ومعارك ديبلوماسية، كشف فيها عن تورط الجزائر العلني في الملف، بدوره لم يأت بما يرضي الخصوم.
فقد كانوا يصرخون مطالبين بتعيينه منذ سنتين، على حد قول وزير خارجية الجزائر، بوقادوم.
والحال أنه بعد أن تمت مناقشة الأمر، في اللقاء، يئسوا من المسار المتعلق بالقضية.
أولا، أصبحت البلاغة السياسية تقول بأن التعيين ليس غاية في حد ذاته،بل « هو مجرد وسيلة لتيسير عملية سلام مُحكمة ومحددة زمنياً تقود إلى ممارسة تقرير المصير والاستقلال»..
أي أن تكون النتيجة معروفة سلفا، ثم يتم التعيين!
ثانيا ، رددوا بأن التعيين ليس غاية في حد ذاته! بعد أن تبين بأنهم رفضوا المقترحات التي تقدم بها الأمين العام خصوصا رئيس وزراء رومانيا، بيتر رومان، ووزير الخارجية البرتغالي لويس امادو ..
التردد الكبير والصدمة ظهرا ايضا من خلال مطالبة الامم المتحدة بتقوية حضورها، والحال أن «الجماعة» في الجزائر، فعلوا المستحيل من أجل إشراك الاتحالد الافريقي وناوروا مع كينيافي القمة الاخيرة لمجلس الامن والسلم، من أجل ذلك ومن أجل تكسير الحصرية الأممية في التعامل مع الملف.
الحلاصة هي أن الاطياف التي طالما بشرت بعزلة المغرب عالميا ، هي التي خرجت في بكائيات جديدة تتهم مجلس الامن والأمم المتحدة بأقدح النعوت!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/04/2021