قراءة في رد الرئيس الجزائري على دعوة ملك البلاد
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
جاء الرد الجزائري على مبادرة ملك البلاد، من رئاسة الجمهورية الجزائرية غير مفاجئ ..، من حيث تركيزه على نقطة خلافية، برزت في سياق محدود.
ولم تثر الرئيس الجار، الاستراتيجية التي حددها ملك البلاد للمغرب الكبير، بل بقي في حدود الانتظار على رد فعل ديبلوماسي متمثلا في استدعاء السفير الجزائري بالرباط ، كموقف من تصريحات عمر هلال في قمة عدم الانحياز، حول القبائل …
فهو رد لم … يتجاوب مع اللحظة الحالية ولا مع الآفاق التي فتحتها بلادنا عبر دعوة الملك إلى الرئيس تبون.
فقد كان الملك قد ذكر الرئاسة الجزائرية بالاسم، وفي خطابه في عيد العرش، توجه إلى الرئيس الجزائري، مباشرة عندما قال ” أدعو فخامة الرئيس الجزائري، للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك”.
في الشكل، يمكن قراءة الحوار الذي دار بين عبد المجيد تبون ووسائل الإعلام في بلاده، كما اعتاد على ذلك دوريا، ردا على دعوة الملك الموجهة إليه، بالانطلاق نحو المستقبل، مع إعطائه الأسبقية في تحديد التوقيت، والجدولة الزمنية لذلك.
في المضمون، اختار الرئيس تبون التركيز على نقطة غير نقطة الحدود، وغير العمل من أجل تجاوز وضع غير سليم ولا منطقي، واختار أن يربط الموضوع كله بالتصريح، الذي كان عمر هلال أراد به إبراز التناقض المبدئي والسياسي للوزير رمطان لعمامرة، الذي جعل من تقرير المصير في الصحراء قضية هجوم على المغرب..
قراءة رد الرئيس الجزائري تكشف العتبة المنخفضة في مقترح الجارة الشرقية عوض الأفق الواسع الذي حملته الدعوة الملكية.
الدعوة الملكية ركزت على بناء الثقة بالاعتماد على استراتيجية رئيسي الدولتين، خاصة وأن الملك شدد على عدم وجود مسؤولية له وللرئيسين الجزائريين الأخيرين في ما وقع من إغلاق للحدود..
والواضح أن رد الرئيس، قد يكون الجيش قد وضع له أفقا منخفضا، لما كتبت صحيفة “الجيش”الناطقة باسم المنظومة العسكرية في الجزائر، بلغة عدائية ورافضة، أولت الدعوة الملكية تأويلا سيئا…
وقد حصر الرئيس الموقف كله في عدم وجود” تجاوب من طرف المغرب، للمشكل، في الظرف الحالي، عقب استدعاء الجزائر لسفيرها لدى المملكة للتشاور،على خلفية تصريحات ممثل المغرب لدى الأمم المتحدة”.
الرئيس يفضل أيضا الآفاق المغلقة لما يقول :” استدعينا سفيرنا بالرباط، للتشاور، وقلنا إننا سنمضي إلى أبعد من ذلك، لكن لم يكن هناك أي تجاوب من قبل المغرب”.
وهو ما يعني بأن الجزائر تنتظر تجاوبا محددا في نقطة محددة، وإذا لم يحصل ذلك، فهي ستسير في منطق التصعيد (سنمضي إلى أبعد من ذلك، لكن لم يكن هناك أي تجاوب من قبل المغرب)!
ماذا ننتظر وهو قد قال إنه لم يكن هناك تجاوب حول تصريحات عمر هلال، وإذا لم يكن هناك تجاوب، سنذهب إلى ما هو أبعد من استدعاء السفير..
في الواقع، وبدون صب الزيت على النار، للقارئ أن يتساءل: هل سمع الرئيس الجزائري الخطاب فعلا؟ وأوله كما يجب تأويله باللغة الدبلوماسية كما بلغة التاريخ والمستقبل.ألم يقل الملك بصريح العبارة :”أنا أؤكد لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا”.
ألم يقل جلالة الملك ” نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره”.
كيف يقرأ هذا إذا لم يقرأه كتجاوز للحظة التي خلقها كلام السيد عمر هلال؟
أليس تعهد والتزامات رئيس الدولة أهم من تصريحات ممثل في الأمم المتحدة، مهما كانت قوته ومصداقيته وحبه لبلاده؟
هناك رسائل ضمنية تكاد تكشف نفسها بعدم القبول بهذه التصريحات وطي صفحتها، إن القراءات المتعددة من أركان أجنبية للخطاب رأت فيه رفض الملك للتوجه نحو التصعيد أو تأجيج الصراع بين الدولة الجزائرية والقبائل. وهو واضح وضوح الشمس، والملك أيضا وضع الخطوط الحمراء في هذا الباب: استقرار ووحدة الجزائر..
إنه رد يبحث عن مبررات بدون معنى، للتغطية على جوهر الدعوة.
وإذا كان الرئيس يتحدث عن أصل المشكلة في كلام “خطير”، فإن أصل المشكلة في “عمل ” خطير تقوم به الجزائر ضد المغرب هو دعم الانفصال في الأقاليم الجنوبية. لم يستقبل ملك البلاد رئيس القبائل فرحات مهنى بالرغم مما راج وانتشر، وهي رسالة ولا شك لم تصل، بسبب ما كان عليه رد الرئيس تبون، الذي استقبل سفير ما يسمى بالجمهورية «التلية»! – من التلال – بالجزائر أو في زيارته لابن بطوش في سرير المستشفى بعد عودته من إسبانيا. ..
ومن المفيد في هذا الباب، الإشارة إلى أن خطاب ملك البلاد لم يذكر الصحراء، في ما قد يجده البعض نوعا من البحث عن المشتركات الكبرى لاستراتيجية المغرب المغاربية، عوض نقطة الاختلاف المركزية.
في الوقت ذاته نحا الرئيس تبون بالقضية المغربية المركزية منحى غريبا حقيقة عندما صرح للإعلام بأن:”قضية الصحراء متواجدة بين يدي الأمم المتحدة، ونحن مراقبون نزهاء فقط، مستعدون لمد يد العون وتنظيم لقاء للطرفين في الجزائر لحل هذا النزاع، برضا الجميع”!
كانت النزاهة مع الشعبين المغربي والجزائري هو الإقرار بأن “المراقبة النزيهة” لا تكون بالسلاح والمال والدبلوماسية، كما أن المراقبة النزيهة لا تكون من وراء حدود مغلقة!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 10/08/2021