قل لي ما هي قوة المغرب؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
قال رفيقي المتشائل:
– أراك تفرط في الإيمان بقوة الدولة المغربية، في كل لحظة فارقة؟
فقل لي كيف تقرأ زيارة حماس ورسائل التهنئة بين عاهل البلاد والحاكم الجديد لحكومة تل أبيب؟
قلت للمتشائل:
– لا يمكن لزيارة وفد حركة حماس أن تترك المغاربة، وغير المغاربة، في حالة حياد باردة، كما لا يمكن أن يكون لتزامن الزيارة-بعد أسابيع عديدة على معركة سيف القدس، وما تلاها من مواقف- مع رسالة التهنئة الملكية، أن يترك أيا كان في حياد، أو يترك الفرصة تمر دون أن يقدر حق قدرها الديبلوماسية الرهيفة للمغرب.
الموقفان معا يحملان دلالة على روح الوضوح التي تطبع الديبلوماسية المغربية، وضوح لا يلغي المثابرة، والجدية والشجاعة، في انسجام نادر لا تستطيعه إلا الآلات السياسية التي تملك قدرة خاصة على التموقع في فصل النزاعات، عند أوج النزاعات وفي جغرافيا النزاعات…
لكن لا تكمن القوة المؤسساتية لبلد المغرب عالميا، في هذا التزامن لوحده، فقوة المغرب هي أن يستطيع التحرك في الزمان والمكان الخاصين بأكبر وأقوى صراع فوق الأرض منذ القرن الماضي، بوضوح تام، وبقدرة على مخاطبة كل أطرافه، بالمبدأ والواقعية في نفس الوقت…
وقوة المغرب أن يتحرك في رقعة الشرق الأوسط، وفي غرب المتوسط، كما في ليبيا، في نفس الشرط الزمني والمكاني للديبلوماسية…
وقوة المغرب يا رفيقي، هي أن يمارس نفس الوضوح الديبلوماسي، بالمبدئية ذاتها والواقعية النظيفة ذاتها، في الوقت ذاته ومن الفضاء ذاته، في مواجهة على الجبهتين الأوروبيتين..ألمانيا وإسبانيا.
وقوة المغرب هو أن تجره إحداهما إلى فضائها التاريخي ومياهها الإقليمية والقارية وإلى نقط ارتكازها السياسية والرمزية، كالبرلمان الأوروبي، ويجد من بين أفرادها أنصارا له، ويقتسم معها نفس المؤسسة ونفس الفضاء.
وقوة المغرب يا رفيقي، هو أن تجد إسبانيا وألمانيا وغيرها من الدول، في حالات النزاع معنا، من يذكرها من قادة الجيش فيها وقادة المخابرات ووزراء الداخلية بأنه “لولا المغرب لكنا نسبح في حمامات الدم الدائمة..بفضل مخابراته وأجهزته”…
وقوة المغرب أن دولتين اتفقتا من وراء ظهره، على إخفاء رحلة مجرم حرب، لكنه كان على علم بذلك، ساعةَ وضع ابن بطوش قدميه في الطائرة من الجزائر إلى ساراغوسا…
قوة المغرب أن يكون محاطا بالأعداء برا، وبالبحر،
ويكون عليه أن يشتغل بروح الجزيرة وبروح الجسر في الوقت نفسه:
يواجه من يحاصره من كل الجهات، ويبني جسورا مع العالم في كل القارات، ويفتح لأوروبا ذاتها طريقا إلى إفريقيا، ويفتح لإفريقيا طريقا إلى أوروبا، عبر ترابه وعبر أنابيب الغاز.
وقوة المغرب أن ينجح في تدبير تحول جيو-استراتيجي كبير للغاية بالاعتراف بسيادته على صحرائه، وأن تجتهد دول اجتمعت ضده على تغيير المعطى الجديد، وهي ترفل في الإهانة أمام رئيس دولة الاعتراف، أو في العزلة على شرقه التائه .
وقوته أن يكون له طموح استراتيجي، ولا يكون لجواره الشائك من طموح خاص به سوى أن يُفشل طموح المغرب!
إنه لمن المثير يا رفيقي أن يكون أقصى طموح لإسبانيا هو أن تشبه… الجزائر في هذا الباب!
وقوة المغرب أن يكون عليه التواجد في ملتقى القارات وملتقى النزاعات وملتقى الجيواستراتيجيات، وأن يكون في ملتقى الحوارات والحضارات والديانات…
وقوة المغرب أن يفتح انتقالا في الجغرافيا السياسية
وفي غرب المتوسط وفي العلاقات بين القارات
وتنويع الشراكات الاستراتيجية، وفي الوقت نفسه يفتح كل الأسئلة التي لا تفتحها دول لا هموم استراتيجية لها…لا انفصال ولا إرهاب..
يفتح سؤال مصيره التنموي، بالتشريح اللازم والقوة اللازمة، ويفتح أيضا سؤال الدولة ومعناها الجديد.
مغرب يجتهد ويصيب كثيرا في قضية الوباء ويسبق كل الذين يحاصرونه في الجوار، ويفتح ملفات يرى خصومه أنها نقط ضعفه وكعب أشيل في مسيرته،
كالهجرة سرا وعلانية، فيتفوق بشكل مذهل……
قال رفيقي المتشائل:
– لو تركتك تواصل، ستربط الأرض بالسماء بحثا عن جملة لفائدة المغرب؟
قلت لرفيقي المتشائل:
– صدقت، ولا هو ذاك كناية عن تملق ولا تزلف لغوي، بل إن المغرب الذي وضع بنيات تحتية فوق أرضه وموانئه وفي عمق صحرائه، هو الذي فتح سماءه لقمر اصطناعي هو الفريد في نوعه في دائرة العرب وشمال إفريقيا…
وهو الذي في البحر، رسم ولايته البحرية، بلباقة الديبلوماسية وحزم الفقهاء!
أفلا زلت لا تعرف أنْ هذه هي قوة المغرب…!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 19/06/2021