قمة البحرين من زاوية مغربية في صالح فلسطين

عبد الحميد جماهري

هي ثاني قمة في ظرف سبعة أشهر، حيث تلي القمة الاستثنائية التي عقدت في الرياض، متزامنة مع القمة الإسلامية. وهي قمة تأتي بعد سقوط 35 ألف شهيد فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء والمدنيين، وهي ثالثا قمة تأتي في سياق التصعيد من جهة رفح والتهديد بتصعيد خطير غير مسبوق، وبعد فشل قبول دولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة بعد فشل مجلس الأمن في ذلك بسبب حق النقض الأمريكي.
وباعتبارها محكومة بسياقها فقد احتلت القضية الفلسطينية مكانة الصدارة في القمة المنعقدة في المنامة بالبحرين، وكانت جوهر النقاش بحيث نالت حصة الأسد من النقاشات ومن القرارات.
القضية الفلسطينية الآن أو في المستقبل الدائم هي جوهر الحل، وبدونها تتعقد الأمور.
وقد تمت القمة في سياق دولي صعب، حيث تتقلص خطوط السلام في كل نقط العالم وتتراجع ثقافته وآلياته مقابل انتشار الحروب والتهديدات التي تفضي إليها.
وذلك في سياق تحالفات وتقاطبات حادة للغاية بين العديد من العواصم والتكتلات، العالمية منها والقارية.
في هذا الخضم، تأتي القمة الحالية لتقدم خارطة طريق ومخططا عربيا، بالحد الأدنى المتوافق عليه وعلى مقوماته، ترتكز على ما يلي :
الدعوة إلى استعجالية وقف إطلاق النار، وتوقيف التهجير ومد المساعدات والشروع في إقامة ظروف عيش كريمة بعيدا عن الإبادة وعن المأساة التي تهدد الفلسطينيين.
إعلان الدول العربية عن ثلاثة معالم كبرى للحل، بعد استفاء قاعدة الحوار. السياسي:
1- الدعوة إلى نشر قوات دولية في المنطقة. وهو الأمر الذي يتوقف على شرطين متبقيين لا بد منهما، وهما موافقة مجلس الأمن على هكذا قرار، ثم موافقة طرفي المواجهة في غزة، الفلسطينيين والإسرائيليين.
وإذا كان مجلس الأمن قد أسقط، بفعل فيتو أمريكي، قبول عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، فإن هذا يجعل الرسالة واضحة بالأساس إلى الولايات المتحدة، وهي التي أصبحت في نظر العرب المجتمعين معنية بتسيير الأمر.
2- القرار العربي ركز على المؤتمر الدولي للسلام في المنطقة باعتباره وسيلة للحل .
وهو ما يحيل إلى سياق مشابه، وإن كان مغايرا في بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما أدت كوارث العراق والحرب عليه ثم ما تلاها من دمار إلي انعقاد مؤتمر دولي للسلام في مدريد، تلته دينامية للسلام أفضت إلى مؤتمر أوسلو الشهير والمعطل جملة وتفصيلا.
وقتها تحدث جورج بوش عن »استثمار الرأسمال السياسي« للحرب على العراق في دينامية ترضي العرب في سلام يسير نحو الدولة الفلسطينية.
اليوم ليس هناك رأسمال سياسي، بل» رأس ـ دم» سياسي إذا شئنا، دفعه الشعب الفلسطيني، ولا يمكن أن يكون ثمنه غير قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
ما يساند أطروحة المؤتمر الدولي اليوم هو هذه الدماء الفلسطينية التي سالت، وفي هذا يكون العرب قد وضعوا عتبتين لذلك، هما مسار حل سلام استراتيجي وأن فلسطين هي جوهر الحل، وهو ما أكدت عليه الرسالة الملكية.
يضاف إلى ذلك تحول في الرأي العام الدولي لفائدة القضية الفلسطينية والتحرك الذي تقوده إسبانيا، التي كانت الحاضنة السابقة للمؤتمر الدولي، وهو مجهود كبير يلتقي مع الإصرار على رفع راية السلام كما يدعو المغرب دوما، وحل الدولتين..
الرسالة الثالثة كانت للفلسطينيين، وهي تدعو إلى العمل تحت راية واحدة هي راية منظمة التحرير الفلسطينية، والتي كانت فيها الرباط هي الحاضنة السياسية أيضا. ولعل الشرط الفلسطيني أصبح إجباريا، حتى توقف القضية المناورات التي تريد أن تجيرها لفائدة حسابات هذا الطرف الإقليمي أو ذاك. ولعل المطلوب منه أن تدخل حماس في التركيبة الموحدة لفلسطين باعتبارها. أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد، وهي الممر الإجباري للتخاطب مع العالم وأصحاب القرار فيه.
ومن جهة ثانية، كانت القمة قد تبنت مجددا الثوابت المغربية في تناول القضية: أي بشرط الوحدة الفلسطينية الداخلية، والنأي بها عن حسابات العواصم العربية، الدخول في مسار سياسي للوصول إلى دولة مستقلة لفلسطين و لاشيء غير السلام، والانطلاق من الأدبيات الدولية في هذا الباب.
كما أن المغرب حقق، من جهة ثانية، تتويجا لتوجهاته العامة في قضية القدس، والذي أثبت، طوال قرابة نصف قرن، ثباته في دعمها ومواصلتها، بالرغم من كل الحروب والمواجهات التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط منذ 1979 وتأسيس لجنة القدس وتولي المغرب رئاستها من طرف جلالة الملك ..
وفي الجواب عن السؤال: هل تملك القمة وسائل طموحها؟
هناك شرط الاندماج الإقليمي كأحد مقوماته وهو لا يوجد، وفي هذا كان الأسف من غياب التكامل والاندماج الاقتصادي، بين بلدان منظمة الجامعة العربية كما ورد في خطاب الملك ولا سيما المغرب العربي..
القمة ركزت أيضا على ما ورد في الرسالة الملكية من ضرورات »الالتزام بمبادئ حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية، والامتناع عن التدخل في شؤونها وعن زرع نزوعات التفرقة والانفصال.«
وأدوات طموحها تقول بأن الدعوة الملكية إلى إيجاد تصور استراتيجي مشترك، وتوفر إرادة سياسية صادقة لتوطيد وحدتها ورص صفوفها، وهو ما يتطلب الواقعية والنزاهة الإنسانية والأخلاقية والعمل الواضح والمسؤول، كما يقدم المغرب نماذجه من. خلال ديبلوماسيته أو من خلال لجنة القدس، ومن خلال تحركاته الدولية والعلاقات التي يربطها مع شركائه الاستراتيجيين ..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 18/05/2024