قمة «النقب» والسلام المعلق، وازدواجية المعايير..
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
احتلت القضية الفلسطينية المكانة التي كان حريا بها أن تلقاها في القمة المنعقدة في النقب، والتي جمعت أمريكا والمغرب والإمارات ومصر والبحرين وإسرائيل.. وعلى عكس التوجهات العامة التي تم تسويقها، حول قطبية وحيدة فيها، وهي الموقف من إيران ومن انعكاس المفاوضات الجارية بخصوص ملفها النووي على المنطقة، فقد وضعت الكثير من المواقف للدول الحاضرة، وأهمها المغرب ومصر، الحل السلمي العادل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني في جوهر المحادثات.
ومن باب، شهد شاهد من أهلها، فقد انتهى الديبلوماسي، والجندي السابق في جيش »تساحال« الإسرائيلي »ايلي برنافي«، إلى نفس الخلاصة التي انتهى إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في النظر إلى القضية الفلسطينية في الوضع الحالي..
فقد قال المؤرخ، الذي صدر له كتاب حديث عنوانه«» اعترافات رجل لا يجدي في شيء«، بواضح المنطق أنه » لا يمكننا في نفس الوقت إدانة ما يمكن ان يمثل احتلالا روسيا لأوكرانيا أو جزء من أوكرانيا ولا نقوم بأي رد فعل على احتلال الضفة لمدة 55 عاما ولا أن نساعد في إيجاد حل«..
وهو المعنى نفسه، بل الكلمات نفسها التي عبر بها الرئيس الفلسطيني أبو مازن عند لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن،على هامش القمة إذ قال إن الأحداث الحالية في أوروبا أظهرت ازدواجية المعايير بشكل صارخ، رغم جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي وصلت إلى حد التطهير العرقي والتمييز العنصري، إضافة إلى الاعتداء على المقدسات، وعدم احترام القانون الدولي «.
لقد أعادت حرب أوكرانيا ملف الشرق الأوسط إلى الواجهة، ليس من بوابات العراق وسوريا وطهران وتوازن دول الخليج، بل من باب أقدم عتبة في السلام والحرب وهي قضية فلسطين..
ومن الوقائع التي لا يمكن التغافل عنها، أن المغرب ركز تدخله وتصريحات وزير خارجيته على هذه النقطة بالذات، مع الإصرار على »أن الحل السلمي على قاعدة الدولتين ما زال هو الحل الوحيد«.
ومما يزيد من قوة الحضور الفلسطيني، بالرغم من غياب ممثل عن السلطة الوطنية، هو أن انطوني بلينكن أقر بأمور أساسية، قبل القمة وأثناء اللقاء مع« أبو مازن« وبعد القمة أيضا.
أول هاته الأمور هو أن »اتفاقيات ابراهام« ليست بديلا عن حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما يضع الاتفاقيات الثنائية بين تل ابيب وعواصم عربية في سياقها الخاص، ويُمَوقعها ضمن إطار التعاون الثنائي، وليست ضمن البديل العربي الإسرائيلي المحتمل.
النقطة الثانية التي حملتها التزامات بلينكن تتعلق بحل الدولتين، وهو الحل الذي كان قد تراجع الحديث عنه ، لا من طرف الإدارة الأمريكية السابقة ولا من طرف إسرائيل، التي كان تحالف اليمين فيها قد أغلق قوس الحل السلمي على قاعدة قرار أراضي 1967 والقدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة..
ويلتقي الموقف المعلن عنه، مع ما يدافع عنه المغرب، ولربما حان الوقت للدفع بعملية سلمية شاملة دينامية متنامية، على قاعدة وحدة المعايير، بين ما يجري في أوكرانيا، وما يجري في فلسطين.
ولعل الوزير المغربي قد وضع المعالم عبر حديثه عن »بناء دينامية وفق خطوات ملموسة تشعر بها الشعوب«، تتجاوز واقع السلام المعلق منذ أزيد من سبعين سنة ..
يضاف إلى ذلك، التنصيص مجددا على مضامين الاتفاق الثلاثي، بين إسرائيل وأمريكا والمغرب، والذي يقوم على الحل المعبر عنه بمناسبة القمة، وعلى ضرورة إيجاد دينامية سلمية جديدة تنزع فتيل التوتر الدائم وتُنزل السلام على أرض فلسطين ودولتها المستقلة بعاصمتها القدس..
لقد عبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن موقف واضح وصريح من الازدواجية التي تطبع المواقف الدولية وأولها الغرب، وواشنطن بالتحديد. المتهمين من الرأي العام الدولي وأمام الفلسطينيين والشعوب في المنطقة بل من جزء من قوى السلام الإسرائيلي نفسها بـ “ازدواجية المعايير بشكل صارخ رغم جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي وصلت حد التطهير العرقي والتمييز العنصري”.
لقد تزامنت القمة مع دينامية حركت الكثير من المبادرات، لعل من أهمها القمة بين ملك الأردن والرئيس الفلسطيني، وكذا اللقاءات التي أجراها الوزير الأمريكي في المنطقة وكل التحركات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، الشيء الذي منع أن تكون قمة النقب، تكريسا لتغييب القضية الفلسطينية وهو تخوف عبرت عنه العديد من المواقف الفلسطينية والدولية.. ويظل واردا مع كل تطورات جيواستراتيجية تكون فيها القوى الكبرى في مواجهة ..
هناك نقط ظرفية في جدول أعمال القمة بعضها له علاقة بالمفاوضات الجارية مع إيران، كما أن بعضها مرتبط بشهر رمضان المبارك، والذكريات الأليمة المرتبطة به، والتي قد تُأجِّجها النزعة العسكرية لتل ابيب، كما قد يخشى من اصطدام الرمزيات الدينية بهذه المناسبة. غير أن الأصل الأول والأخير في المشكلة هو إنهاء الاحتلال، ومنع استعمال الورقة الفلسطينية من طرف القوى المتعددة، بعيدا وقريبا وداخل المنطقة..
لا أحد يمكن أن يتجاهل الحروب الهجينة التي قد تكون فلسطين مسرحا لها، ولعل الحدث الأبرز اليوم هو إعلان« داعش الفلسطينية!« عن ميلادها،وهو موضوع أصبحت عودته على طاولة التعاون الدولي راهنا وملحاحا، ومن المفترض أن يشكل نقطة جدول أعمال يتيمة في الموتمر الدولي »للتحالف الدولي ضد داعش«الذي سيحتضنه المغرب في يونيو القادم.
ولا شك أن الورقة الداعشية ورقة خطأ، ولو حاول البعض استعمالها باسم قضية القدس المقدسة والأرض الفلسطينية التحررية.. وسيكون لها ما بعدها، بالرغم من الاحتفاء بالعملية الاخيرة!لاشيء سيعيد التعايش بين الديانات والشعوب والدول في الشرق الاوسط سوى… السلام، المعلق منذ سبعين عاما عرضة لكل الازدواجيات!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/03/2022