كسل الديموقراطية اللذيذ…!

عبد الحميد جماهري

أمام المغاربة مشروع كبير، لم يسبق لذاكرتهم أن غازلته من قبل
ولا خيالهم اتسعت أراضيه إلى أن يلامس تخومه.
مشروع، يريد من الدولة أن تصير، في غضون خمس سنوات، دولة استراتيجية تتولى بيد من حديد أبناءها الفقراء والضعفاء والمهمشين..
أمام الدولة مشروع لتغطية الصحة والاجتماع في ربوع البلاد..
أمامها أن تجد 120 مليار درهم ، لصندوق محمد السادس للاستثمار الاستراتيجي..
أمامها وضع اقتصادي واجتماعي في صلبه التعويضات العائلية التي يفتقر إليها ، بداية، سبعة ملايين طفل وأسرة في المغرب..
في المقابل يستعد المجتمع السياسي لأن يساهم في هذا التوجه الكبير، بمدخل أول مفاده
البسملة
والصلاة على النبي
والقاسم الانتخابي…
والمدخل الثاني، والذي لم تكن فيه اية سعادة للديموقراطية، كان هو التقاعد وما هو غير التقاعد، وكأن السياق الوطني الحالي لا يطرح أولويات غير تقاعد من يمثل الديموقراطية وتأتي به الانتخابات، سواء بالقاسم الانتخابي أو بدونه..
العنصر الثالث الذي ترتبط به منظومة الانتخاب هو المصائر الفردية للسادة الممثلين للسيادة الشعبية، وما يمكن أن تفعله المؤسسات للتأمين على الحياة ودوام الرفاه..!
والحال أن عمق النقاش حول أية منظومة ، قيمية كانت أو سياسية أو تدبيرية أو تربوية، يجب أن يتم على ضوء الأهداف المتوخاة منها.
لا يمكن أن نناقش الإجرائية الانتخابية بناء على «ذاتيتها» وحدها..
وبناء على منطقها الذاتي الخاص..
بمعنى آخر، النخبة التي تفرزها الانتخابات يجب أن تحاكم بناء .. على قدرتها على المساهمة في هذا البناء الهائل..
يجب أن نقول بوضوح كبير أيضا، إن السنتين الأخيرتين من الحياة الوطنية، طبعهما توقف شامل، تحركت فيه كل دوائر الدولة، التاريخ والشرعية الدينية والمؤسساتية والجيش، وكل ما هو ضمن المنظومة الوطنية،
بمعنى آخر هناك دوائرلا تخضع بأي شكل من الأشكال إلى المحاسبة أو المراقبة الانتخابية.
وقد ساهمت في بناء الجدار الصحي والاجتماعي لمواجهة الوباء.
وسيكون لهذا التشبيك الوطني دوركبير، على الأقل إلى حدود سنة 2025، سنة انتهاء من وضع التغطية الإجمالية للمجتمع وفئاته التي تنتظر التغطية بكل أنواعها، الاجتماعية والصحية والمهنية ، متمثلة في التعويض عن فقدان الشغل..
نحن أمام دورة تفوق بكثير المعطى الانتخابي في بلادنا.،..
ورجاء لا يجب أن تلوى دراع المقال كي يخرج منها من يعارض مادة لنزوع لاشعوري نحو التقنوقراط!
المجتمع، الذي تريده السياسة والديموقراطية في المبدأ ، رحم الميلاد الحقيقي للشرعيات والمشروعيات والمشاريع، هذا المجتمع، ينتظر منه أن يستظل بالدولة الحامية، الاستراتيجية والثورية، بلغة الاتحاد، و ليس من يفكر بطمأنينة الرهبان في دير جبلي متسائلا بزهو: ما هومقدار مساهمتي في… استغلال الإنفاق الذي ستضمنه الدولة لسير البلاد؟
يبدو ولله أعلم أن هناك شعورا لدى جزء من الطبقة السياسية بأنها صارت معفية من أي قلق حول المشاريع،
وحول مواضيع القلق الوطني الشامل، ليس هناك سوى قلق تاكتيكي أو تقني من المقاعد التي ستزول لكل تنظيم سياسي، وتحويل المشاريع الكبرى للدولة المتفق حولها الى مجرد خلفية، أو جدارية بُنية لمشهد سوريالي تتصادم فيه الظلال..!
هناك 22 مليون مغربي تنتظرهم قرارات السياسة والسياسيين في البحث عن تمويل تغطيتهم الصحية، غير أن «الافتعال» الديموقراطي «الجاد» يريد أن يختزل الأمر في ما قد يقدمه 6 ملايين مصوت من تقدم على درب التنمية الفردية!
لماذا لا يسأل الذين يضعون أنفسهم المعبُِّر الأكبر عن أمة الفقراء سؤالا بسيطا: بكم ستكون مساهمتنا في هذا المشروع الكبير؟
ثم، لماذا لم يفكر من يملك كل هذه الإحالة المرجعية على الشعب، في القدرة والإبداع على طرح المشروع الكبير لتقوية النسيج المجتمعي التضامني المطلوب؟
إننا أمام خيار و من اثنين: إما الاستسلام لسحر الديموقراطية اللذيذ وكسلها العسلي، أو التفكير بقوة في ماهي القدرة الاستشرافية التي يمكن للديموقراطية أن تساعد بها الدولة- ان اعتبرنا مجازيا أنهما كيانان مستقلان عن بعضهما – كي لا تكون الدولة في مرمى المطالب الاجتماعية المتزايدة، وقد يقودها ذلك إلى عجز ما، ولو نسبيا يمكن أن يُضعف الصورة المثلى لهذه الدولة الحامية، مما يقود إلى إضعاف الديموقراطية نفسها.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 24/10/2020