كـان فـرحـنا كـاملا…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

عندما فاز الفريق الوطني في مقابلة التأهيل إلى المونديال…
غفرنا للجميع
غفرنا لخليلوزيتش
وغفرنا أيضا للقجع
بل حتى لقجع سامحناه ..
وكان لنا في الفرح فائض كبير
وتضخمت عضلة القلب كثيرا
وصارت مثل. … طائر
وصارت مثل سماء وصارت مثل قطعة صولفيج موزعة على كل المعزوفات ..
وطارت أيضا عضلة القلب من الفرح .
وكان لنا مخزون من النشوة ومن السرور ومن الغبطة ومن الانتشاء ومن الطفولة تعجز قلوبنا لوحدها أن تمتلئ به.
ففاض قلبنا بالفرح ومخزوننا
انهمرنا على العالم
وعلى بعضنا..
وفي لحظات الفرح تتعطل مَلَكَةُ النقد، ونميل إلى حالة انخطاف أثيرية، هكذا هو الفرح، قدرة خفية على التحلل في وجدان جماعي وتأجيل كل ما من شأنه أن يشوش على الانفعال الجماعي السلس، العَطِر والروحاني.
ليست هناك حاجة، وقتها، إلى انتداب العقل لمهمة التحليل والعودة إلى ما قبل الفرح.
الفرح شعور شبه ديني يجُبُّ ما قبله.
وزعناه على الجميع،
وكان بودنا أن نوزع منه الكثير على جيراننا
وعلى ما بعد جيراننا..
ونحن لنا أيضا احتياطي هائل
احتياطي استراتيجي من العاطفة الجياشة في الحزن
ومخزون باهظ من التضامن وطاعن في التاريخ
لم ندر لماذا عطلته أدوات الغباء العسكري في الجارة الشقيقة..
لسبب غريب كان فرحنا سيصير أكمل لو أننا عبرنا عن تضامننا مع خاوة خاوة..
كان يجب أن يكتمل ببعض من الحزن لإقصائهم، ببعض الاكتئاب ولو قليلا.
لقد شاءت هندسة الاحتمالات أن يلتقي الفوز المغربي بالخسارة الجزائرية، في ميدان الكرة.
ولعل الخسارة كانت أصعب بكثير عليهم، لأن الجنرالات حولوا فريقا بكامله إلى «كوماندوس» عسكري يتقدم في ملعب ملغوم.
ويواجهنا نحن لا غيرنا حتى وهو ينافس. دولة إفريقية أخرى غيرنا.
وعندما يفشل الفريق تصاب الأمة بحالة انكسار كالتي تكون في الحروب.
ولست أدري لماذا تستيقظ في العسكر موجة نحيب عسكري كلما دخل الهدف في شباك الحارس البسيط والمواطن الذي يتعاطف معه كل الشعب في شمال إفريقيا وفي شرق المتوسط، وربما حتى الأحياء الفقيرة في كراتشي..
كان لنا فرح كامل.
كان فرحا كاملا

ولم نكن في حاجة إلى فرح تراجيدي، يكتمل بفشل فريق دولة جارة وشقيقة، لأننا في المغرب اعتدنا أن نجعل من الكرة رياضة فقط، نحتفل عندما نفوز وننتقد المسيرين عندما نخسر فرحتنا أو نخسر مقابلة..

ولسبب ما، مرضي وباطولوجي، تم تعيين الفريق الكروي لمهمة غير مهمته في الجزائر. وأصبح المغاربة يترعون قسوة الجنرال الغبي وقسوة طوابير أفراد الجوقة.. في المارش العسكري، وبدل أن تمسنا تلك المشاعر القديمة، المشاعر التي ولدت عن أخوة حقيقية، جعل الجنرالات قابيل وهابيل مغاربيين، ولم نجد القسوة الكافية لكي نفرح لهزيمتهم، لكننا لم نجد ما يجعل تضامننا طافحا.. هي مناسبة لكي نصرخ فيهم: لماذا حرمتمونا من التعاطف مع أبناء الشجرة الواحدة، أيها القتلة؟
لماذا يا جنرالات الحروب الخاسرة والعواطف الكاسدة والأوهام المريضة؟
في وقت تتعانق فيه أحضان الشجرة الواحدة بحثوا عن ألف منشار لتمزيق الشجرة برمتها.
شعر المغاربة بجرح عميق لم يغفروه للاعبين قبل المقررين، عندما حملوا راية فلسطينية بِنِكاية رهيبة في المغاربة، كما لو كانوا أعداء القدس..
وما زالوا يلوحون بها كذبا وبهتانا لتفسير الهزيمة .. كانت الثكنات منصات للتسديد وإطلاق الصواريخ المدمرة للأخوة
ولم يشعر المغاربة بذلك الشعور العميق الذي يسكنهم عندما كانوا يستبدلون غضبهم وحزنهم في كل انهزام كروي، ويضعون مكانه مزهريات الحب الأخوي ليفرحوا بقلوب وأفئدة أشقائهم..
في لحظة تساءلنا: لماذا تحرموننا من الفرح الأخوي مع شعبنا في الجزائر؟
ولم ننتظر الجواب، فقد كان لنا فرحنا، شاسعا، كبيرا من أبسط مغربي في جنب مقهى بسيط يتلصص على الفرح بين أقدام اللاعبين، إلى أعلى سلطة في البلاد مجسدة في ملك المغرب، رئيس لجنة القدس..
كان الملك ورئيس لجنة القدس يفرح باسمها معنا.. حرمونا من العناق المتضامن بعد هزيمتهم، لماذا؟
المغاربة يحبون بصدق لهذا يتألمون كثيرا عندما يجبرون على إعادة النظر في عاطفتهم باسم السياسة أو باسم العسكر أو باسم الجنون الأخوي الغادر..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 31/03/2022