كيف نفهم مبادرة الملك تجاه إفريقيا

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
كل الذين اعتادوا، والمغاربة كلهم ضمنهم، على متابعة مبادرات ملك البلاد إزاء إفريقيا، لن ولم يتفاجأوا، بإعلانه عن مبادرة عملياتية إجرائية في مواجهة جائحة»كورونا«. تلكم إحدى تمظهرات رؤية، فلسفة، وجيواستراتيجية اتضحت معالها بما يمكننا من أن نقول إن الدعوة الحالية هي جزء من سلوك سياسي وأخلاقي واستراتيجي عام.
يقول البلاغ الصادر عن الديوان الملكي إن ملك البلاد اقترح »إطارا عملياتيا لمواكبة إفريقيا في تدبير الجائحة«، وهو ما نفهم منه إطارا مؤسساتيا قادرا على الحركة وتجاوز وصف الحالة أو إعلان النوايا، مهما كانت إيجابية ومحمودة .
وهو في الوقت نفسه سلوك يندرج في منطق متكامل، دأبت عليه المملكة، في كل مرة كان هناك ما يستدعي الإقدام وطرح البدائل العملية.
-1-عندما يفكر المغرب في نفسه لا يقوم في ذلك بترتيب يجعله يتقوقع على مصلحته الوطنية الصرفة، ويغيب الآخرين، أو إعطاء الأولوية الحصرية لنفسه بل تكون انتماءاته الإفريقية حاضرة ومحددة بشكل عام في مبادراته.
كان ذلك عندما تم تحديد الإرهاب كمسألة، وكتحدي أمن على القارة، بل على القارة وعلىالعالم، وكان ذلك أيضا عندما طرحت القضية الصعبة، قضية الهجرة، واختارت إفريقيا العائلة المؤسساتية للمغرب، أن ترد التحية بأحسن منها فاختارت ملك المغرب رائدا لها، وانتظرت منه تقريرا لما ستفعله في مواجهة معضلة، كان السباق، هو بلد الجنوب أن يطرح لها حلولا كما لو كان من دول الشمال!
وكان ذلك أيضا ثابتا في قضية تشغل البشرية كلها، كما هو حال الوباء اليوم، هي قضية المناخ، عندما انتدبته إفريقيا متحدثا باسمها ومفوضا تفويضا قاريا لكي يبادر في الدفاع عنها..
وخلاصة ما سبق، هو أن المغرب لا يرى نفسه أبدا، كلما اشتدت الأزمات إلا في إطاره الإفريقي، ولكل سؤال صعب طُرح على البشرية بحث عن جواب إفريقي لإفريقيا…
2-يقول البلاغ إن جلالة الملك محمد السادس أجرى اتصالين هاتفيين، على التوالي، مع ألاسان درامان واتارا، رئيس جمهورية كوت ديفوار، وماكي سال، رئيس جمهورية السنغال. ويكون من المنطقي، أو المهني على أقل تقدير، أن نطرح السؤال: لماذا خص البلاغ الرئيسين السينغالي والإيفواري بالذكر؟
في حقيقة الأمر،يوجد في الفقرة الموالية ما يشرح أكثر طبيعة المبادرة الجماعية، لكن ، يحسن بنا هنا أن نشير إلى ترابطين اثنين بالمحتوى الوارد في البلاغ
* أولا، في أبيدجان، كان لحضور ملك البلاد، في المؤتمر الأوروبي الإفريقي وزنه، الذي دفع بالرئيس واتارا إلى القول إنه كان أكبر الحاضرين، وأيضا عند إعطاء انطلاقة الحوار الإيفواري المغربي، والذي وضع خارطة طريق لإفريقيا القادرة على مساعدة نفسها ورسم سياساتها.
كانت الدولة حاضنة اعلان تصور ملك المغرب لافريقيا بأيادي وعقول الافارقة..
*ثانيا:في المعطى الثاني والمتعلق بالسينغال، لا بد من أن نستحضر خطاب الملك من داكار في مناسبة المسيرة الخضراء، والذي كان فيه اسم إفريقيا اسما علما وهو بذاته موقفا سياسيا!
ونحن نذكر ذلك الربط المعنوي والسياسي بين خطاب في مناسبة وطنية هي الاسترجاع الوطني لوحدة التراب وبين عاصمة إفريقية مركزية في الأدوار القارية والدولية..
3 – – إفريقيا اليوم، وهو سياق لا يمكن إغفاله، رهان دولي وسياسي، ولا سيما في هذه الوضعية الجائحية.
إفريقيا رهان دولي،كخارطة مستقبلية في النظام العالممي الذي سيولد، وقد تزايد النزوع نحوها، مع الجائحة.
وهناك، سيناريوهات للمساعدات، ينطلق من دونية مسبقة للقارة، وأنها عاجزة عن أخذ أمورها بيدها، من عواصم عديدة تأتي اقتراحات المساعدة، كما لو أن وضع إفريقيا هي أن تكون يدها هي الدنيا، تنتظر الأدوية والمواد الغذائية وبعض الديون المخففة الفائدة.، من أيادي دول أخرى تكون هي »العليا«!
الأمر، في المبادرة الملكية، يتعلق باقتراح يسير نحو العمل الميداني بمبادرة مغربية لكنها ستكون تجربة إفريقية متكاملة.
وستكون كذلك، ليس فقط بالمغرب والسينغال والكوت دي فوار لوحدهم، بل بباقي الدول الأخرى . وهنا نصل إلى النقطة الرابعة.
4- – البلاغ يحدد الأفق المحتمل لهذه المبادرة التي لا تقف عند إعلان النوايا.
“إطلاق مبادرة لرؤساء الدول الإفريقية تروم إرساء إطار عملياتي بهدف مواكبة البلدان الإفريقية في مختلف مراحل تدبيرها للجائحة. ويتعلق الأمر بمبادرة واقعية وعملية تسمح بتقاسم التجارب والممارسات الجيدة لمواجهة التأثيرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية للجائحة «.، كما يرد في البلاغ.
وفي هذه الفقرة يتسع أفق المبادرة، كما يتسع طيف ميادينها، إذ تسير نحو دفتر تحمل اقتصادي اجتماعي صحي وأمني وعلمي أيضا ولا شك، ، يكون في مستوى التحدي الرهيب الذي تعيشه إفريقيا. وعليها أن تواجهه بكامل إرادتها ومبادراتها وكرامتها…بعيدا عن الروح »الكورونيالية« الجديدة التي تجعل منها حقل تجارب ومختبر لقاحات…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/04/2020