كيف يدبّر المغرب وتونس الوضع في الجزائر؟ 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
وبالنسبة للمغرب، كان وزير الخارجية، ناصر بوريطة، صريحا في ابتعاد الجارة الغربية للجزائر، عن التدخل في شؤون البلاد، وفي السياق الحذر نفسه، أكّدت السلطات المغربية أن موقفها هو “عدم التدخل” في الشؤون الداخلية للجزائر، وقال بوريطة إن “المملكة المغربية قرّرت اتخاذ موقف بعدم التدخل في التطورات الأخيرة في الجزائر، وعدم إصدار أي تعليق حول الموضوع”، وأضاف “ليس للمغرب أن يتدخل في الوضع الداخلي”، والحال أن المغرب موجود في صلب الديناميكية الحالية منذ بدايتها، وبشكلٍ مفارقٍ للغاية، يتراوح بين الجدية العدائية والسخرية، فقد رفع متظاهرون، في بداية الحراك، شعاراتٍ تدعو بوتفليقة “المروكي”، إلى الرحيل، كما أن جنسية الشخص المنتظر توليه الرئاسة بالنيابة، في حين تم تفعيل بند شغور المنصب الرئاسي، هو عبد القادر بنصالح، وما زالت جنسيته المغربية محط نقاش عام وكبير، وهي قضيةٌ تعود إلى الواجهة، وتشعل السجال بين من يعتبر أنه لم يحصل على الجنسية الجزائرية إلا في سنة 1964، ومن يعتبره جزائريا منذ الخليقة! وهو ما يدل على ترابط السياسي والاستراتيجي بالعاطفي في الأمور، لكن الوضع الأكثر جدارة هو نأي المغرب بنفسه عن التدخل، كي لا يكون مطيةً لتوجيه النظر بعيدا عن حقيقة الأمر، فقد كانت هناك محاولاتٌ، منذ البداية، تريد أن تنسب إلى المغرب ما بدأ يظهر في الجزائر من تحرّكات، وهو الأمر الذي لم يعمر طويلا، باعتبار أن القضية كانت تقليديةً في البحث عن “عدو خارجي جاهز للفت الأنظار وتحويلها عن حقيقة الوضع”. وهو أمر تم تجاوزه الآن، باعتبار إقرار رئيس الأركان الجزائري بالوضع في البلاد، و”نضج” التظاهر السلمي الجزائري.
في الوضع الراهن، الحدود بين البلدين مغلقة، والمسؤولون الأمنيون الكبار لا يدعون الفرصة تمر من دون الدعوة إلى رفع مستوى التعاون الأمني لمواجهة الإرهاب، بل التعبير عن الأسف بأن العلاقات الحالية تعطل التعاون الذي صار ضروريا بين البلدين، لا سيما في محاربة الإرهاب، والجريمة المنظمة، والتعامل مع تقلبات الأوضاع في ليبيا وفي العراق وسورية… إلخ، غير أن الجميع يقرّ بأن التغيرات في الجزائر لا يمكن أن تمر بدون تأثير على وضعية العلاقات بين البلدين، ويأمل المغاربة في انتقال ديمقراطي سلس وسلمي، يسمح بقراءةٍ أكثر واقعية وأكثر نضجا للمحيط الإقليمي، وغالبا ما يعبر المغاربة عن ذلك بعيداً عن القنوات الديبلوماسية، أوالقنوات الرسمية القريبة من مركز القرار، أيا كان مصدره.
مع ذلك، لم يفوّت المغاربة الفرصة لالتقاط المفارقات في الديبلوماسية الجزائرية، على الرغم من الوضع الصعب والغليان في الجزائر، إذ تحرّكت الدبلوماسية الجزائرية، مرتين على الأقل، خلال هذه المدة، تحت شعاراتٍ يعتبرها المغرب مناهضةً لوحدته وبلاده، الأولى في دفاع نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية، رمطان العمامرة، في جولة جنيف الثانية بشأن الصحراء، عن “حق تقرير مصير” الصحراويين الداعين إلى الانفصال عن المغرب، وهو ما دفع كثيرين إلى مطالبته بتقرير مصير الشعب الجزائري أولاً، والمرة الثانية في لقاء بريتوريا الذي حضرته الجزائر إلى جانب جنوب إفريقيا، و14 بلداً آخر، من أجل توريط الاتحاد الإفريقي في الملف، بعيدا عن مقرّرات الأمم المتحدة، وتوليها الحصري للموضوع، وفي الوقت نفسه، لا يخفى عن الجميع أن هناك تتبعا يقظا لكل تطورات الوضع، لسببين رئيسيين على الأقل، وهما من المخاطر التي قد تسبّب أزمة مستفحلة لا قدر لله، والتي قد تؤدي إلى موجة هجرة إلى الحدود المغربية، كما وقع في بلدان عديدة. وتتعلق النقطة الثانية بطبيعة الحال بالصحراء، والتي قد تكون نقطة ارتكاز لراديكاليةٍ أبعد في التعامل مع المغرب بالنسبة لجزء من المربع الحاكم في الجزائر.
إلى جانب ذلك، قد يتعثر الحوار، والموائد الديبلوماسية المطلوبة اليوم في حل النزاع، تحت مظلة الأمم المتحدة، فالمرجح أن تميل الأوضاع إلى الجمود، وخصوصاً أن قرار مجلس الأمن الدولي 2440، الخاص بالنزاع، قد اعتبر الجزائر دولةً معنيةً بالحل، كما حال موريتانيا، إلى جانب المغرب والجبهة الانفصالية.
البلدان معاً، تونس والمغرب، مطالبان بتدبير ملف الجزائر، لاعتباراتٍ تتعلق بتشابك الأوضاع بين بلدان المغرب الكبير الثلاثة، ولاعتباراتٍ إقليمية، قد يجعل من الصعب على المنطقة برمتها تحمل بؤرتين اثنتين لنزاع حارق، في ليبيا والجزائر، إذا تطورت الأوضاع بشكل غير محمود… وتعبر عن القلق نفسه دول الساحل، لا سيما النيجر ومالي وموريتانيا، من تطورات الوضع الصعب، والذي قد يفتح الحدود واسعةً أمام مزيد من التوترات، وبهدا المعنى، صار الانتقال الديمقراطي السلس، والسلمي أيضاً، ضرورة إقليمية، في شمال إفريقيا وفي الساحل.
نشر في «العربي الجديد»
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/04/2019