كيف يدبّر المغرب وتونس الوضع في الجزائر؟ 2/1

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

قد يكون الحياد الذي تبديه تونس والمغرب إزاء الأزمة الجزائرية، احتراماً لعدم التدخل في شؤون الشقيقة الكبرى للبلدين، لكنه أيضا تعبيرٌ عن قلقٍ صامتٍ من تطورات بلادٍ على تماسٍّ كبير معهما. كان الموقف التونسي قد تم التعبير عنه، مع انطلاق الاحتجاجات في نهاية فبراير الماضي، إذ خص الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، الأحداث بتعبيرٍ واضحٍ لا غبار عليه، يعرب فيه عن أن الشعب الجزائري حر في التعبير عن رأيه في الحكم، كما يشاء، باعتبار أن لكل بلد قواعد عمل، “ولا حق لي في تقديم الدروس لأي كان”. وقد يكون في تقدير الموقف الذي قام به السبسي استمرار للمواقف التي اعتادت عليها القيادة التونسية إزاء تطورات الجزائر منذ الاستقلال، وقد اعتادت على ذلك حقاً، والواقع أن الجارين يقيمان علاقاتٍ متينةً، ببعديها الاقتصادي والأمني، والحدود التي تمتد على أزيد من ألف كيلومتر، هي حدود تماسّ ضرورية لبلاد ثورة الياسمين، باعتبار أنها ما زالت تحت حالة الاستثناء التي أعلنتها البلاد منذ أربع سنوات بفعل الهجمات الإرهابية، بالتالي، كل انجراف حاد للمعادلة السياسية الجزائرية قد تكون له عواقب على الجارة تونس، وعواقب حادّة، ذات طبيعة مركبة، اقتصاديا وإنسانيا وأمنيا، يضاف إلى ذلك أن الجارة الكبرى الأخرى على شرقها، أي ليبيا، تعيش وضعا صعبا، يحمل تهديداتٍ لا تُحتمل في حال زادت الحدّة، وأكثر من ذلك، فإنه يضع تونس بين كماشتين، قويتين، ويصعب تدبير تطوراتهما، فالبلاد لا يمكنها أن تتحمل وجودها بين دولتين كبيرتين، تعيشان أوضاعا استثنائية أو محفوفة بالشك والتوترات.
إلى ذلك، تبقى تونس حالة مدرسية بالنسبة للانتقال الجارف، والقوي، من نظام جامد إلى آخر يخرج من رحم الانتقال الديمقراطي، وقد يرى الجزائريون في التجربة التونسية امتحانا لقدرة المكونات السياسية على إيجاد انتقالٍ من صلب رهان القوة، فالجزائر التي يحتل الجيش فيها مكانة قطب الرحى، على الرغم من محاولات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إضعاف قوته التقريرية وتوزيع قوته على أسلاك أخرى، كالأمن والدرك الوطني، قد تقرأ في تدخل الجيش لحماية المظاهرات من جهة، والقيام بدور الحكم، ووقف أي نزوعٍ لقمع المظاهرات من جهة ثانية، درسا تونسيا، فالوضع الذي دفع الجيش التونسي إلى أن يسهّل رحيل بن علي قد يكون له شبيه جزائري في ذلك، والجميع يذكر أن الجيش الوطني التونسي رفض أوامر الرئيس بمشاركته في مواجهة الاحتجاجات، إلى جانب قوات الأمن، وكان رفض قائد الجيش، رشيد عمار، أوامر بن علي بمثابة نهايةٍ لحكم الأخير.
في التطبيق المحلي للنموذج العسكري التونسي، إلى حد الساعة، هناك دعوة صريحة من الجيش إلى تفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري، بدعوة من رئيس أركان الجيش الجزائري، قايد صالح، وهي قراءة خاصة، يميل كثيرون في الشارع، وفي المراكز المنتجة للقرار وللفهم، إلى كونها دعوة إلى خلافة سياسية، أكثر منها تدعيما للانتقال الديمقراطي، كما وقع في بلدان الثورات السابقة، غير أن دعوة قايد صالح دليل على أين يقيم القرار ومن يملكه، وهنا نعود إلى تصريح الرئيس التونسي الذي نهى نفسه عن “إعطاء دروسٍ لأي كان”، وبالتالي، هو لا يرى تبريرا لتقديم نموذج تونسي للأزمة الجزائرية.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 03/04/2019