«كيف يغذي فوسفاط المغرب العالم»… قريبا

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
المغرب.. وخزائن الأرض!
يُنْسب إلى الخبير الإنجليزي «سيمون جاكسون» أنه قال في حوار له مع جريدة فرنسية منذ سنوات «بدون الفوسفور الغني المستخرج من الفوسفاط المغربي لم يكن بمقدورنا تحسين المنتوج الغذائي كميا ولا تجويد النظام الغذائي نفسه»، وهو العنوان الذي تناقلته وسائل الإعلام الغربية بل جعلت منه اليومية الفرنسية ذاتها عنوانا بارزا: » كيف يغذي فوسفاط المغرب… العالم».
لقد مرت مرحلة أصعب من المرحلة التي تم فيها الحوار مع أحد المؤرخين للفوسفاط في شمال إفريقيا (وله كتاب في الموضوع)، وقطع العالم أزمتين ما زالت آثارهما تخيم عليه، هما أزمة الكوفيد وما كشفه من هشاشة غذائية عانت منها الدول الغنية قبل الفقيرة، وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي لم تضع أوزارها بعد وسيتلْزم العالمَ عقودٌ من الزمن لتضميد جراحها وآثارها وخرابها…
من المحقق أن المغرب لم ينتظر هاته الوقائع لكي يشرع في التفكير في سماد الأرض، لضمان تغذية العالم، لكنها ولا شك سرَّعت من تاريخ الاستحقاقات الفوسفاتية للمغرب في مجال التغطية الوازنة في الوسط الغذائي.
وقد تبين من أن الاحتياط المغربي هو نفسه احتياطيُّ العالم من أجل تأمين خبزه وطعامه…
وبينت العقوبة التي فرضت على روسيا وبيلاروسيا، اللتين كانتا تزودان العالم بما يقارب 40 في المئة من حاجياته من الفوسفاط ومستخلصاته، أن العالم سيحتاج إلى المغرب لضمان الكمية الواجب تواجدها في السوق.
كما تبين من خلال سياسة المغرب في التعامل مع نقص المواد الفوسفاتية للتسميد، أن بلادنا تعاملت بذكاء وبدون انتهازية مع الموضوع.
لقد قررت الهند في عز أزمة الحبوب ونقص تمويل الأسواق العالمية أن تضع حدا لتصدير منتوجها لضمان حاجياتها الوطنية، والمغرب تضرر من هذا القرار، وكان عليه أن يستعمل ورقة الأسمدة الفوسفاتية لحل معضلته، فكان أن فضَّل البرازيل عندما قرر الرفع من منتوجه والزيادة في الكميات التي حولها من الفوسفاط.
وكانت من نتيجته أنه استطاع أن يضمن حاجاته من الحبوب، ومما جعله يتأثر سلبيا بنسبة أقل من جيرانه الإقليميين في منطقة مينا، وفي نفس الوقت يقدم خدمة للبرازيل التي وجدت نفسها غير مجبرة على استعمال مخزونها الاستراتيجي من الأملاح المخزنة في الأمازون.
طبعا هناك طلب عالمي متزايد على الأسمدة، ومن هنا يعتبر تطوير المغرب لصناعاته ومشاريعه في هذا المجال اختيارا صائبا ومستقبليا، يخدم البلاد كما يخدم الآخرين. ومن المتوقع في كل لحظة أن يزداد الطلب ويرتفع معها منسوب تأزُّمِ الأوضاع، مع تزايد عدد سكان الأرض، حيث سيرتفع الطلب فوق أرض لا تملك أراض إضافية قابلة للاستصلاح الزراعي، وإذا أضفنا إلى ذلك أن 3 ملايير نسمة يمكن حل معضلتها عن طريق التسميد بالفوسفاط المغربي، فإننا نصل إلى أن المغرب في طوره إلى أن يصبح »يوسف» الزمن المعاصر..من حيث ايجاد الحل بعد أن يحين وقت البقرات العجاف والسنبلات اليابسات..
ويحق للمغرب في سياق اعتراضي، أن يطالب بِلقب يوسف النبي عليه السلام عندما «قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ»، لأن ذلك يتم من باب المصلحة! كما يحق للمغاربة أن يمدحوا أنفسهم على اختيار صائب في هذا الباب..
ويفهم من التواجد المغربي في إفريقيا منذ مدة وتزايد العمل مع دولها، (اليوم 16 دولة على الأقل) حرص المغاربة على تجويد الإنتاج الفلاحي عبر العلم والأسمدة والتأمين والتمويل. إفريقيا لوحدها توجد بها 60٪ من الأراضي الصالحة للزراعة عالميا كما أنها خزان الأغذية الدولي ومستقبل التغذية مرتبط بها إنسانيا..
لقد أحسن من كتب بأن المغرب أنضج جيوستراتيجيته في حقول العالمين، بما يملكه من سياسة متبصرة… انتبهت مبكرا إلى التربة وما تحتاجه بشرية يزداد عدد أبنائها يوميا من سلال للغذاء.
لا يمكن أن نغفل بأن المغرب يسعى في خضم ما يسعى إليه تحصين نفسه من التقلبات العاصفة التي تضرب العالم، الذي دخل بشكل حاسم في دورة الأوبئة ودروب الأزمات الحادة. ومن المتوقع أن يكون الغذاء جبهة عسكرية هو نفسه، كما أن بلدنا يسعى إلى توسيع هامش المناورة لديه، لاسيما مع سيادة منطق الابتزاز الذي يتعرض إليه العالم من طرف قوى بعينها تمتلك الطاقة الأحفورية )غاز، بترول…
وهو يدرك بأن الفوسفاط والأسمدة توجد في قلب الاعتبارات الاقتصادية، وأنه كي يكون مرتاحا لا بد من أن يحرر اقتصاده وحاجته من الارتهان للطاقات الأخرى.
ومن هنا نفهم التفكير الحاسم والعمق الاستراتيجي في تحديد احتياجات المغرب بفضل رؤية ملكه.
نحن أمام مشروع يهدف إلى تحرير المغرب وتوسيع هوامش استقراره والتحكم في سيادته الغذائية والطاقية، مع خدمة مشروع إنساني كبير يهم التغذية وتوفير حاجات البشرية من الطعام..
وقد اختار المغرب أن يوفر ذكاءه وقدرته على تدبير الانتقالات الكبرى في الدولة والمجتمع (انتقالات ديموقراطية، وأخرى مؤسساتية وثالثة ثقافية ورابعة روحية… وجغرافية ودستورية)، من أجل تجويد إمكاناته في إنجاح انتقالات من جيل جديد ذات أبعاد طاقية وغذائية ومناخية تلامس آفاقا واسعة تتجاوز الوطن إلى العالم مرورا بالقارة، العائلة المؤسساتية، كما سماها الملك محمد السادس….
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 08/12/2022