كيف يكتب الأمن «السردية الجيوستراتيجية الجديدة».. للمغرب!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

تم تعميم التقرير الأمريكي عن المغرب، وعن جهوده في استتباب الأمن ومحاربة الإرهاب، ضمن شبكة استراتيجية جديدة.
وفي سنة خالية من أي عمل إرهابي، بالرغم من وجود تخطيطات متعددة وموزعة زمنيا ومكانيا، لم يَخْفَ الواقع الآمن للمغرب في تقييم الفاعل الديبلوماسي الأمريكي.
فالتقرير، الصادر عن الخارجية الأمريكية في نهاية الأسبوع الثاني من دجنبر، كتقليد سنوي تنتظره عواصم العالم، شدد على عدة مستويات في المجهود الوطني المغربي، ضمن شبكة دولية رفيعة للمحاربة الفعالة لآفة العصر، ومن عناصر التقرير المختارة بعناية بالغة، التركيز الأمريكي منذ الفقرات الأولى على كون:
* الولايات المتحدة والمغرب يجمعهما «تعاون قوي وطويل الأمد» في هذا المجال.
‫*‬ المغرب واصل تنفيذ «الاستراتيجية الشاملة التي تشمل تعاونا إقليميا ودوليا وسياسات لمكافحة التطرف».
‫*‬ قوات الأمن وظفت «جميع المعلومات الاستخباراتية والعمل الأمني والتعاون مع شركاء دوليين لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب»…
‫* ‬المغرب يقيم تعاونا «وثيقا مع شركائه الأوروبيين، ولا سيما بلجيكا وفرنسا وإسبانيا، لإحباط التهديدات الإرهابية المحتملة في أوروبا»…
* المملكة تترأس حاليا، بشكل مشترك مع كندا، المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب.
* المغرب يحتضن مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا.
‫*‬ المغرب عضو في شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء، وهو يستضيف مناورات الأسد الإفريقي السنوية، واستضاف اجتماع فريق العمل المعني بمكافحة الإرهاب في إطار مؤتمر وارسو والتمويل غير المشروع الذي تمحور حول محاربة تنظيم القاعدة…
وهذه العناصر مجتمعة لها معنى أساسي، يفيد بأن الأجهزة الأمنية الاستخباراتية المغربية قد أدخلت بلادنا في «سرديات جيوستراتيجية‮ ‬للقرن الواحد والعشرين» بلغة الباحثة في الإرهاب كارولين بوسطيل فيناي karoline postel vinay.
ولفهم هذا المفهوم، بما هو مفهوم يؤطر اليوم مناقشة دور محاربة الإرهاب في صناعة التحالفات وأيضا بناء الشراكات الدولية، لا بد من التذكير بأن «‬الحرب الباردة» كانت أول سردية في العالم من بعد الحرب الثانية، وهي كانت كذلك بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث أن المصطلح يعد من بنات خيال الروائي‮ ‬الشهير جورج أوريل صاحب التنبؤات الخاصة بالأخ الأكبر في روايته الشهيرة 1984.. ‬وبعد ذلك تم تداولها بشكل واسع بعد أن التقطها عنه الصحافي‮ والمثقف والكاتب «‬والتر ليبمان‮»..‬
وإثارة هذا المفهوم كسردية جديدة ليس اعتباطيا بل للإشارة إلى أن هناك من لا يزال يفكر من خلال هذه الحرب الباردة ويريد أن يوقف العالم في هذا المستوى.
والحال أن كل تقرير الخارجية الأمريكية، يبني للاستخبارات والأمن المغربيين مكانه مغايرة مفادها العمل من أجل حماية العالم شرقا وغربا عبر تعاون عميق وطويل المدى…
ويهمنا أن الضربات التي أصابت المغرب، كما أصابت الدول الشريكة في الحرب الحالية، قد حسمت تموقع المغرب في الحرب الدائرة دوليا، كما في شمال إفريقيا والساحل، وهو ما انتبهت إليه الولايات المتحدة، التي رأت في المنطقة جبهة جديدة..
والواضح من خلال كل الكتابات الغربية الأوروبية، أن هذه المنطقة كانت مسرحا ومجالا حيويا لجيوستراتيجيات متضاربة لبعض العواصم الأوروبية، ومنها فرنسا مثلا.
ومن المنطقي أن يفضي التغيير في نوعية الفاعلين ونوعية الاستراتيجيات الجديدة في‬« محمية فرنسية»، إلى‮ ‬تصادم الديناميات الجيوسياسية فيها وارتطام منطق دولة بمنطق دولة سابقة عليها.
والمغرب مع ذلك لم يسقط في كماشة صراع عاصمتين رئيسيتين في مجلس الأمن وفي التحالف الدولي ضد الإرهاب..‮.‬
المتتبع للعواصم والدول والشركاء في المغرب، يدرك، بدون عناء كبير، بأن الأمر يتعلق بدائرة أو قوس واسع، دولي، هو قوس أزمات يمتد ‬من باكستان إلى دول الساحل‮… وينتمي إليه المغرب كما تنتمي إليه دول أوروبا والولايات المتحدة منذ 11 شتنبر.. ‬
وكان لافتا أن تقرير خارجية أمريكا ذكَّر الأوروبيين بما يقدمه المغرب، وهو أمر حيوي بالنسبة للولايات المتحدة التي تقود الحرب ضد الإرهاب باسم العالم كله، كما أنه حيوي بالنسبة للمغرب الذي تنسى هذه الدول الأوروبية، إما بفعل ضيق الأفق أو بفعل رهانات عابرة، أن معركة الإرهاب لا تربح بدون المغرب…
ولعل التغير الأعمق في التعاون الدولي ضد الإرهاب هو الوعي العام لدى العواصم، التي بنى معها المغرب شراكات أمنية، بأن الإرهاب «‬غيَّر وظيفة الحدود بين الدول».. وليس نافلة أن يشير التقرير إلى كون «أمن الحدود ظل أولوية مطلقة للسلطات المغربية»!.
وهو أمر جوهري في تحولات العالم نفسه وليس فقط في طبيعة الإرهاب.
وعندما ننظر إلى الساحل، باعتباره واردا في التقرير الأمريكي كمجال لنشاط المغرب ضمن شراكة دولية في المنطقة، سنرى «وجود مناطق رمادية تكون فيها الدولة في‮ ‬حالة احتضار أو‮ ‬غيبوبة كما في‮ ‬الساحل‮ ومالي ودول وسط إفريقيا وغربها»، وتقدم دول ‬كينيا ونيجيريا والموزمبيق‮… ‬قدرة الإرهاب والمنظمات الإرهابية على تغيير الأوضاع الجيوسياسية‮ الدولية والإقليمية كما الأوضاع الداخلية المتعلقة بالدول نفسها‮..‬ ولنا في الشرق الأوسط أبلغ مثال: النموذج الإقليمي القاري الممتد من الشرق المتوسط إلى الساحل وقلب إفريقيا…
‮تقتضي شبكة القراءة الجديدة للعلاقات الدولية‮، من منطلق التقرير أو من منطلق الشراكات الدولية، الإقرار بأن بلادنا تزن ثقيلا في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بترتيب الأجندة الدولية‮ في الحرب على الإرهاب، وهو أمر لا يتأتى فقط بالرغبة في ذلك أو التعبير عن ارادة المشاركة، بل بالفعالية والنجاعة والقدرة على تأهيل الأداة المخول لها ذلك.
الخلاصة أن الأمن المغربي بمكوناته الاستخباراتية والعلمية والعملياتية قد استطاع، بشهادة دولية، أن يتحول إلى رافعة جيوستراتيجية في خدمة الموقع المتميز للمغرب اليوم…وغدا!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/12/2021