لا يمكننا التفكير بشكل عاد في وضع غير عاد 2/2

عبد الحميد جماهري

4/ نحن أمام امتحان للحكامة وأخلاق المسؤولية عندما تكون محايثة ومجاورة للكارثة وبالقرب منها.
إنه سؤال القدرة على تدبير وضع استثنائي بسلاسة مؤسساتية، وهنا يمكن الإبداع في التدبير السياسي للأوضاع ، لكل الشركاء الدستوريين….
5/ لا أحد يملك الجواب، أو على الأقل ليس هذا العبد الفقير إلى رحمة ربه وعفوه..
لكن عرفت الآونة الأخيرة معطيات في ضرورة التفكير في هذا الأمر،
بعضها يهم الاختلالات وبعضها يهم الانشغالات:
لعل الاختلال الأكبر في تواصل رئيس الحكومة، ليلة السبت الأحد الماضي، هو أنه لم يستطع أن يقدم لنا خطابا لتعبئة وطنية شاملة قادرة على أن تجد في كلامه ما يطمئن بأن القادم من الأيام سيكون تحت السيطرة.
كان رئيس الحكومة ، ربما بغير قصد منه، يقدم كل المسوغات لكي نبحث عن جواب في مكان ما بعيدا عن رئاسة الحكومة، وعن خطابها،وعن مسوغات تدبيرها لمرحلة استثنائية حادة في تاريخ بلاد محاطة بالداء والأعداء!!!
إذ لم يسبق أن عاشت بلادنا ، في جوار دولي وقاري وإقليمي مشابه لنا، وضعية القطيعة مع الخارج، كما تعيشه اليوم.والظرف، بصعوبته أو بالتحكم فيه، مصدر لمقاربة استثنائية تستوجب وضعية استثنائية.
الانقطاع عن العالم ، ليس فيه انقطاع عن مبادئ العالم، في الديمقراطية واحترام المؤسسات وفي الحكامة أو في تدبير الأزمات،
لا سيما وأن كل الديمقراطيات لحد الساعة، تعيش الكارثة كإشكال إنساني واقتصادي واجتماعي ، لكن، لكل بلاد وضعها الذي تواجهه بما تراكم لديها من وسائل وتجارب، ولديها مستويات العجز والقدرة التي تضعها نصب أعينها ، ولديها وضوح في التعامل وفي خطاب الأزمة نفسه، وهو ما لم نشعر به للأسف الشديد مع السيد رئيس الحكومة….
فقد كان التركيز أكثر على القطاعات في البحث عن أجوبة مبتسرة وغير مكتملة..
كما أن التركيز على الوعظ والإرشاد، وربما الوعظ والاغتسال، أكثر مما هو في البحث عن خطاب شامل ومتناسق، استشرافي ومطمئن في حدود الممكن العلمي والصحي لا في حدود الممكن السياسي والاقتصادي والاجتماعي..
اللغة، أيضا، لا نحتفظ منها ولو بجملة واحدة قوية قادرة على أن تدخل التاريخ ، في زمن تاريخي بامتياز..
بل ربما حصل العكس، ضمور قوي في اللغة، أدى إلى ضمور رهيب في المعنى وبالتالي في التفاعل..
كنا ننتظر ربما خطابا مهيكلا ، يخاطب الروح والعقل ، السياسة والاجتماع، الشبيبة والصحة، العلم وتطوراته، بما فيه خطاب يعترف بالنقص والتقصير وفي مستوى ما نملكه، بلا تفاؤل مبالغ فيه ولا تشاؤم تعززه اللغة..
لقد أسعفته التلفزة ولم تسعفه العبارة…
وبعيدا عن الأفق الانتظاري لكاتب هذه السطور المؤمن بقدر الله وقضائه، هناك حقائق موضوعية لا بد من طرح النقاش حولها..
6/ الشراكة الوطنية تستوجب خروجا علنيا للراسمال الوطني للإعلان عما يقدمه من تضحيات للإفلات من انهيار الأمل، وليس فقط انتظارما يقدمه من مقترحات للحكومة هي من حقه ولاشك ،بل من ضرورات إنجاح الشراكة الوطنية العامة…
في هذا الجانب ، للاقتصاديين والخبراء ورجال الرأي ، ما يقدمونه لوطنهم ..
لا سيما وأن ظروف «السياحة» المخففة للضغط لم تعد أمانا لأحد..
الوطن يعود إلى قاعدته الاقتصادية، والمال أيضا يسكن وطنه، وإذا كان في الخارج سيكون غريبا عن أهله، وليس أمامنا سوى أن نقبِّل هذه الأرض، ونبحث لها عن مستقبل ، وحياة بعيدا عن حسابات الربح والخسارة..
نحن اليوم لا ديمقراطية لنا إلا ديمقراطية الأرض التي نقف فوقها.
ولا حرية اقتصادية لنا إلا حرية الأرض التي نعمل لها،
ولا ربح لنا إلا ما نربحه من أرواح اليوم وغدا.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 17/03/2020