لماذا تغضب الجزائر من مدريد ولا تغضب من سواها؟
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
تعرف الجزائر أن القشة الوحيدة التي تتمسك بها في معركة الطواحين القانونية الأممية من أجل تنظيم الاستفتاء، هي مدريد!
وتعرف بأن الورقة الوحيدة التي يمكنها أن تتستَّر وراءها في الدعوة إلى ما تسميه تقرير المصير، هو أن تظل إسبانيا وفية للـ«كاستينغ»الجزائري للعب دور لم يعد دورها… ولا هي راغبة في لعبه!
وهذا الدور وهذه الورقة وهذه القشة هي أن تكون مدريد «القوة المديرة» في قضية الصحراء.
لقد سبق أن بيَّنا في مقال سابق أن الكل في العالم يعرف أنها لم تعد كذلك، وأنها أي مدريد قطعت مع هذا الدور منذ 1976 في رسالة إلى الأمم المتحدة وأنها أعادت التاكيد على ذلك مرارا في السنتين الأخيرتين، بل إن وزيرة الخارجية المقالة وصديقة الغالي ابن بطوش السيدة «لايا سانشيز» هي التي أكدت ذلك أمام البرلمان في فبراير 2021 جوابا عن سؤال لأنصار الانفصاليين…
لكن الجزائر تتمسك بدور لإسبانيا لا تريده هذه الأخيرة وتقول إنه لا يعنيها، وقد أكد البلاغ الصادر عن مجلس الأمن الجزائري لتعليق اتفاقية الصداقة وحسن الجوار والتعاون للمرة الألف،على إسبانيا ودورها كـ«قوة مديرة» في إقليم الصحراء…
لماذا إذن هذا التشبث المثير للسخرية والحيرة والاستغراب؟
لماذا تصر جماعة المرادية، في كل وقت وحين، على أن مدريد هي القوة المديرة؟
الجواب البسيط يقول: لأن مفهوم الجزائر لحق تقرير المصير يستند إلى أطروحة مفادها «أن الصحراء أحد الأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي ومن تم يتعين على الدولة القائمة بالإدارة (القوة المديرة) أن تسير بها نحو الاستقلال».!
بمعنى آخر تجبر الجزائر إسبانيا على أن تلعب دورا ليس لها حتى «تزطط» الانفصاليين وتسير بهم إلى دولتهم (أو دويلة الجزائر)!
وعوض أن تجنح جارتنا الشرقية نحو الحل الوطني والمتمثل في تمتيع الأقاليم الجنوبية بالحكم الذاتي، الذي تقول النصوص الأممية البعيدة إنها لم تكن تتمتع به، فإنها تلغي هذا المكسب الذي تحقق بفعل المقترح المغربي، وتصر على دعم الانفصال، ولو كان بإجبار إسبانيا على لعب دور لم يعد قائما ولا تريد الدولة الإسبانية لعبه.
ولتبسيط العبث أكثر مما هو مبسط: فإن الجزائر غاضبة من إسبانيا لأنها حرمتها من ورقة وحيدة في فرض تصورها للحل، عبر لعب دور «القوة المديرة» التي تعمل على مساعدة البوليزاريو على.. تكوين دولة!
قوة مديرة تمشي بالانفصال ويمشي بها!
وإذا رفضت إسبانيا، وقررت الحكم الذاتي مع المغرب، فذلك معناه سقوط آخر أوراق التحايل القانوني الذي تلعب به الطغمة العسكرية، ورقة التأزيم في التراب المغربي.
إن ما تطلبه الجزائر من إسبانيا في الواقع ليس موقفا محايدا كما تدعي ذلك، بل تريد منها أن تنوب عنها في القانون الدولي وتأويل قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ولا سيما القرار 1543 وحكم محكمة العدل الدولية، تأويلا مغرضا يجنح نحو أطروحة الاستفتاء المفضي إلى تقرير المصير الذي يعد مقدمة للاستقلال!
لهذا فإن الجزائر ماضية في تكرار أسطوانة لم تعد قائمة ومصرة على أن تعيد إسبانيا تحت مظلة الوصاية باسم الشرعية الدولية المفترى عليها.
حالة يأس عظيمة، لم يسبقها في صدمة العصاب العسكري الجزائري سوى اتفاقية مدريد الثلاثية بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، التي وضعت إطار ثلاثيا للحل في نونبر 1975، وتم ترسيمه أمام الأمم المتحدة في 1976.
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 11/06/2022