لماذا تفشل سياسة «اليد الممدودة» وما علاقتها بالإصرار على غلق الحدود؟

عبد الحميد جماهري
يجزم المؤرخ بأن سياسة اليد الممدودة والموقف من ترسيم الحدود لهما علاقة وطيدة، ويرتبطان ارتباطا خلقيا!
ويقول العروي، في ما يخص اليد الممدودة، « ليس من المعقول الاعتقاد بأن تحسن العلاقات المغربية الجزائرية ممكن، وأن ذلك مرتبط بفعل شخص واحد، حتى ولو كان على رأس الدولة».
فهو يعتقد بأن الموقف المعادي والتصعيدي جزء من هوية الكيان المجاور لنا شرقا.
فالشرط هو ضرورة إعلان المغرب تخليه عن أية مطالب ترابية، شرقا أو غربا أو جنوبا، ولو طالب المغرب غدا بسبتة ومليلية، فسترفع الجزائر صوتها بالصراخ والويل والثبور، وتلعن توسعية المخزن وتقف بجانب إسبانيا!
هذا الموقف ثابت ولا غبار عليه ومفكر فيه، وعليه يجزم العروي بالقول « إن سياسة اليد الممدودة من طرف المغرب لن تغير من الفكر شيئا».
ومن هذه الزاوية يمكن فهم إغلاق الحدود الذي تصر عليه الجزائر.
علاوة على كونه يندرج في ما تعتبره استراتيجية محاصرة المغرب، وتعميق شعوره بالعزلة ( جزيرة )، فهذا القرار المتعلق بإغلاق الحدود يحمل في طياته عمق التفكير الجغرافي للدولة الجارة:
1ـ إغلاق الحدود، فهو عمل ليس معزولا ولا مناسباتيا، كما قد نعتقد، بل هو عمل مفكر فيه.
2ـ القصد منه هو إجبار المغرب على ترسيم الحدود.
3ـ إغلاق الحدود معناه حمايتها عسكريا، وفرضها بالقوة! فما لم يحصل عليه نظام العسكر برسم الحدود، يفرضه أمرا واقعا بالجنود!
ولا يمكن أن نفهم الإصرار على غلق الحدود إذا لم نفهم الإصرار على إفشال المغرب الكبير، والعكس بالعكس، أي يمكن أن نفسر مناورات الجزائر في إفشال الكيان المغاربي، أو بحثها عن بدائل مقزَّمة أخرى، بهذا الهوس بترسيم الحدود والبحث عن تنازل المغرب عن مطالبه الترابية.
ومن ذلك أن الجزائر ترى أن:
ـ المغرب العربي لا يمكن أن يكون سابقا لترسيم الحدود. ومن ذلك أن الحاكمين في الجزائر اليوم، يرون المغرب الكبير مرحلة بعدية تأتي حين تحصل الجزائر على ما تريد من المغرب ترابيا، كما حصل مع تونس ومع ليبيا وغيرها من دول الحدود.
ولعلنا نقتسم مع تونسي كبير اسمه لحبيب بورقيبة هذا التقدير ، باعتباره كان قد انتبه إلى أن الجزائر لا تريد مغربا كبيرا… بل جزائر كبرى!
ـ المغرب لابد له من ترسيم الحدود لسنة 1972 والتخلي عن أية مطالب ترابية .
لعل هذا ما يفسر الردود المحمومة والعصبية كلما تحدث مسؤول من مسؤولي المغرب، ولو في جوانب الذاكرة والتاريخ والتوثيق والمخطوطات، ومن ذلك الردود المنفعلة على تصريحات مديرة الخزانة الملكية بهيجة سيمو، وكانت آخر فصول ذلك، هو ما حدث بعد محاضرتها في الرباط، لما أكدت أن المغرب « يتوفر على وثائق تؤكد أنه لم يتوان قط في الدفاع عن حدوده الشرقية التي امتلكها منذ القرن 17 إلى غاية وصول الاستعمار الفرنسي في 1912»، وأضافت كذلك بأنه «منذ حصول المغرب على الاستقلال عام 1956، وفي أبريل من نفس العام وعام 1957، حاولت فرنسا الدخول في مباحثات مع المغرب لحل مشكلة حدود الصحراء الشرقية، عبر سفير باريس آنذاك في الرباط، ألكسندر بارودي، الذي أصر على لقاء الحكومة المغربية، واقترح عليها حلاً للمشكلة ومن بين القضايا التي يتعين حلها منطقة تندوف». وحسب مديرة الوثائق الملكية، فإن « فرنسا كانت تنوي إعادة تندوف إلى المملكة المغربية، غير أن العاهل الراحل محمد الخامس رفض هذا الاقتراح من منطلق أن القرار سيكون بمثابة طعنة في ظهر المقاتلين الجزائريين، ومن ثم فضّل ملك المغرب انتظار استقلال الجزائر لحل مشكلة الحدود هذه مع الأشقاء الجزائريين». أضافت مديرة الوثائق الملكية.
وعلى ذكر الاستقلالات المغاربية، وللتأريخ لهذا المسار الحدودي، يعود بنا العروي إلى مرحلة كان فيها نوع من التفكير العقلاني موجودا في النخبة الحاكمة في الجزائر.
يقول العروي إنه جاء على المغرب الكبير حين من الدهر كان العقلانيون من نخبة الجزائر في الحكم يدركون بأنه لا يمكن إجبار المغاربة على نسيان تاريخهم (لاسيما الحديث منه)، و» لهذا أرادوا تذويب الحدود في شكل مغاربي، كما في لقاء مؤتمر طنجة 58»، ولكن هذا» القوس العقلاني» لم يدم طويلا، وصار الثابت هو أن يتنازل المغرب، و»سيكون من الوهم الاعتقاد بأن فتح الحدود يمكن أن يتم بدون تنازل من المغرب «، كما يريد الجزائريون..
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 31/05/2024