لماذا تلوح البوليزاريو بالحرب ؟

عبد الحميد جماهري

وهل تستطيع الجزائر إعلانها؟

تتصرف الجبهة الانفصالية، كما لو أنها، استطاعت بتاكتيكها الفج والفوضوي أن تجر المغرب إلى خطوة، تتوهم أنها خططت لها، لتعلنها ذريعة لوقف إطلاق النار. فالمتتبع، منذ إعلان قائد دولة الوهم ومعتقلاته، إصدار بيانه الداعي إلى إلغاء وقف إطلاق النار والانسحاب من الاتفاق العسكري رقم 1 حوله، يندهش للهجة التي يتحدث بها أنصارها وأبواق الإعلام الجزائري، حول الحرب التي بدأت..!
والسؤال هو : هل المشهد البسيط والواعي والسلمي، الذي تابعه العالم عند تسوية ابتزاز البوليزاريو في الكركرات هو الحرب؟ وهل الهروب بتلك الطريقة البذيئة هو الجيل الجديد من حرب البوليزاريو؟
قطعا لا.. لماذا إذن تلوح الجبهة بالحرب؟
أولا ، لأنه لم تعد لها من راية غير رايات الفوضى والتلويح من بعيد، وتغذية سيناريو وجود لااستقرار.
فهي تدرك جيدا أن الأمم المتحدة، وجهازها التنفيذي لم يعد مجالا لأي امتحان لقدرتها الديبلوماسية، نعني قدرة حلفائها، فالقوة الأولى والرئيسية التي طالبتها بالخروج من المنطقة، وإفساح المجال لتدفق السلع
وتنقل البشر، هي مجلس الأمن، بقرارات يعود بعضها إلى 2016. وقرارات أكثر وضوحا تعود إلى 2018 ، وآخر القرارات هو القرار 2548..
ثانيا: تدرك الجبهة ومن يقف معها، أن مجلس الأمن إذا استمع إلى ممثليها ، من دول معادية، فلن تكون النتيجة سوى ما قام به الجيش المغربي، أي خروجها من المنطقة وعودتها إلى سرابها في المحتجزات، التي نسميها محتجزات العار.
ثالثا: تعرف الجبهة ومن معها، أن المناطق التي توجد شرق وغرب الجدارالأمني مغربية، وقد كان المغرب يوجد فيها قبل وقف إطلاق النار، بل هو من سلمها إلى الأمم المتحدة لإقامة منطقة عازلة، وليس لإقامة دولة وهمية من بنيات مدنية أوعسكرية لتغذية الوهم بوجود الكيان..
رابعا: الجبهة ومن معها يعلمون بأن الخيار العسكري حسم، منذ إقامة الجدار الأمني..، وأن ما لم يتحقق بالأمس بالنار، لا يمكن أن يتحقق اليوم بوقف إطلاق النار والالتفاف عليه.
خامسا: كان أول من تعرض للتشهير والتسفيه، هو الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن بعد إصدار القرار.
وكانت الجبهة قد هاجمته لأن التقارير والقرار، أعلنا بوضوح تام استمرارالهدوء، في الأقاليم الجنوبية، وكانت رسالة »الغالي وتصريحاته كلها، تعلن عدم الموافقة على تقرير الأمين العام والقرارالأممي وإقرارهما بوجود الهدوء، وكانت الاستفزازات تريد أن تظهر العكس، وما يشبه إقامة الدليل على انعدام الهدوء، بوقف الحركة وزرع بذور القلاقل وخلق حالة من الهلع، يستفاد منها وجود وضع غير طبيعي وغير هادئ.
والقرار المغربي، الحكيم والشجاع، جاء للدفاع عما رآه مجلس الأمن، بل لتثبيت العودة إلى هدوء شامل داخل الجدار وخارجه.
الجيش المغربي إذن، قام بما كان يجب القيام به لحماية ما قررته الأمم المتحدة وحماية مشروعيتها في الأماكن التي سلمت لها..
سادسا:لا تملك الجبهة قرار الحرب، فهي ليست الأصل بل النسخة المستعملة والاسم المستعار للدولة الشقيقة، وهذه قناعة بدأت تتركز في الوعي العالمي، بعد أن ظلت قناعة راسخة لدينا منذ عقود.
والجزائر، قد تجد من المفيد أن تخرج نفسها، ظاهريا من الرباعية المعنية بالحل، عبر الزج ببعض الانتحاريين من الجبهة في هجمات على بلادنا، لكنها في الوقت ذاته، لن تنجي نفسها من المسؤولية، وستثبت بالملموس، أن أرضها هي أرض انطلاق الهجومات، وليست أي دولة أخرى في الجوار.
وقد يكون حق المطاردة الذي يعود للمغرب ، طريقة لإثبات التورط الميداني، السافر للجزائر وليس المنافق كما هو الحال اليوم
…غير بعيد عن أسئلة الحرب، يمكننا أن نذهب بعيدا ونسأل:
هل البوليزاريو ، وما تقوم به يقف عند التأويل القانوني لوضع الكركرات، هل هذه السلوكات تُفسَّر فقط بالرغبة في الاستفزاز والابتزاز ؟؟
من يضع الخريطة أمامه، ويربط السياسة بالجغرافيا سيجد أن الوضع قد يبدو أكبر من ذلك.
فالحدود المغربية الشرقية مغلقة بقرار جزائري، لم تتزحزح عنه بالرغم من مرور ربع قرن على إغلاقها.
ويبدو إغلاق الممرالجنوبي نحو موريطانيا ودول الساحل، وتعليق العلاقة مع الدول الافريقية (السمك من موريطانيا إلى أوروبا، والخضر والتغذية نحو دول الـ»سيدياو« والساحل من المغرب)، امتدادا لهذا الإغلاق.
والمغرب بعد إغلاق حدوده الشرقية ثم الجنوبية سيكون كما لو تحت كماشة، تملك خيوطها الجزائر.
يضاف إلى ذلك، تريد هذه الاستراتيجية الماكرة، محاولة لمنع المغرب من الاستفادة من قواعده الافريقية الجديدة، وحرمانه من ترصيد مكتسباته في الاتحاد الافريقي وتطبيع العلاقات، بدون أن نتحدث عن المشاريع الاستراتيجية الكبرى..
كلها مؤشرات حرب اقتصادية لا تملك فيها البوليزاريو سوى ما يملكه الضب من الريح في الصحراء. فالمركز هو الذي يجب أن يسأل :هل يمكن للجزائر أن تعلن الحرب؟
الواضح من السعارالإعلامي والتورط الفاضح للإعلام الرسمي وشبه الرسمي ،إعلام الإنفاق البترو دولاري ، أن الجزائر تعتبر الأمر موجها لها، بل إن بعض الأصوات المبحوحة من السياسيين الأشباح، أولائك الذين لم يقنعوا الشعب الجزائري بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، عبرعن ذلك بالوضوح اللازم.
وهنا نجيب بما يفرضه المنطق : يقول المنطق إن دولة تعيش أزمة شرعية فظيعة، تبينت من خلال هروب أربعة أخماس الشعب الجزائري من استفتاء الدستور، وأن الخُمس الذي صوت عليه نصفه قال لا، إن هذا المنطق يقول لها إن الأولوية هي في إعادة صياغة هذه الشرعية وإعادة بنائها.
إن المنطق يقول إن دولة تدبر على حدودها كلها بلدان توتر
وحروب ، كليبيا ومالي، ليس من مصلحتها خلق توتر إضافي على حدودها الغربية الجنوبية مع المغرب..أو فتح المجال لمن يدفعونها إلى ذلك من قيادييها الذين يحنون إلى عقد الماضي..
إن المنطق يقول إن دولة أكل نظامها نصفه، أو إن نصفا من الدولة أكل النصف الآخر في حرب استنزاف سياسية استخباراتية، مدعو إلى ترميم هدوئها وسلامتها أكثر من البحث عن أسباب توتر إقليمي.
المنطق يقول إن دولة عرفت حراكا لمدة سنة متكاملة، مازال كثيرون من نشطائه في السجون، لم تهدئه سوى الجائحة، دولة مجال حريتها الوحيد هو إما الوباء أو الحراك، مطالبة بأن تفكر بطريقة سلمية عميقة وتنجح انتقالها الديموقراطي لخدمة شعبها وخدمة مصالحها، التي لا تكون مضادة مع المغرب، وأن تعتنق الدعوة التي يجاهر بها ملك المغرب لفتح صفحة جديدة وأفق جديد من التعاون وطي الصفحات الموبقات من الجنون العسكري الشوفيني..!
ولكن هل هناك منطق حقا، بعد تراكم كل ما قلناه من جنون… يحرك قادة النظام العسكرتاري المقنع؟
للسؤال بقية..
وللجواب أيضا

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 16/11/2020