لمن يدق بن سودة أجراس اليونان؟

عبد الحميد جماهري

لا يبدي الحارس اليقظ للخزينة العامة للمملكة نفس التفاؤل الذي تغذي به الحكومة خطابها ويتذرع رئيسها أمام البرلمان بنواياه.
ونور الدين بن سودة ليس معارضا، ولا ينبغي له، لكي لا تجد الثلاثية الحكومية مبررات مستساغة وطيعة للتشكيك في أقواله….
الرجل يعرف من أين تأتينا الأموال ويعرف أيضا طريقة كل مغربي في صرفها، وسواء أكان فردا أو مؤسسة…
يعرف العلاقة المتشابكة والأليمة بين المداخيل والنفقات، ويعلم جيدا كيف تمتلئ الخزينة وكيف يتم إفراغها، وهو من حراس المعبد المالي المغربي، وبالتالي فهو في تقدير الوظيفة الاقتصادية لا يحسب سوى حساب الضمير المهني الاقتصادي…
لماذا كل هذا التمهيد لرجل هو بذاته قليل الكلام، ولا نعرف إن كان يحب أن نتحدث عنه أم لا؟
الجواب: لأن السيد نورالدين بن سودة لم يكلف نفسه عناء إرضاء أحد عندما قرر الحديث عن المالية العامة في المغرب، في الحالة الراهنة، ما بعد فترة كوفيد وفي المستقبل المنظور.
وقد تحدث إلى الزميلة «ماروك إيبدو» بدقة المحاسب ويقظة المتشائم في الفكر والمتفائل في الإرادة.
ماذا قال في حواره؟
يرى من العناوين الكبرى أن المالية العامة تتقلص وتنضب ينابيعها ومصادرها، أي أن المداخيل تقل يوما على صدر يوم، وأن المديونية العامة الداخلية والخارجية تتناسل وتزداد بشكل مهول، وبسبب ذلك يتفاقم الخصاص في المداخيل الضريبية، وفي الوقت ذاته ترتفع النفقات أكثر فأكثر…
بن سودة أيضا يدافع عن كون دور الدولة ما زال أساسيا، و»سيكون لها هذا الدور في كل وقت وحين، لأنها حجر الزاوية في العقد الاجتماعي بين المواطنين والسلطات العمومية»…
غير أن بن سودة هو نفسه الذي تحدث في الملتقى الدولي للمالية العمومية وتحديات القرن الواحد والعشرين، وكما نقلت عنه الزميلة «ماروك إيبدو» دق الجرس الأكبر وهو يشير إلى أن الفرق أو الفارق بين المداخيل العادية ونفقات الميزانية العامة عرف ارتفاعا مهما حيث انتقل من 1،2 % من الناتج الداخلي الخام في 2008 إلى 8،1 % في سنة 2020، وهو ما أدى إلى ارتفاع في مديونية الخزينة بلغ 76.4 %، أي ما يعادل 85 مليار دولار.
هذه المديونية يعرف الناس العاديون ومنهم العبد الفقير إلى مغفرة ربه، أنها ترهن السيادة المالية والاقتصادية عندما تتجاوز الحدود، وقد تصل إلى عودة التقويم الهيكلي والتدخل المباشر للممولين الدوليين والمقرضين العالميين وإلى فرض إملاءات، كما تعودنا سماع ذلك عند كل غيور على سيادة القرار الوطني.
ومما يزيد التحذير الذي قدمه السيد الخازن العام أن توجها من هذا القبيل يعاكس خطاب السيادة، الذي أعلنه ملك البلاد وجعله قاعدة للتعامل الدولي لبلادنا …
لقد نقل المصدر نفسه أن بن سودة قال «إن المديونية المبالغ فيها تضع سيادة الدولة موضع الخطر، كما رأينا ذلك في اليونان«…
إن الإحالة على اليونان إحالة على نموذج تاريخي راهني في الانهيار المالي والاقتصادي الشامل رافقته أزمة سياسية، في بلاد الفلسفة وفي النظام المالي الشامل في أوروبا.
لقد دخلت الأزمة اليونانية التاريخ من باب إفلاس شامل، وأصبحت تدرس باعتبارها أزمة الدين الحكومي، التي عصفت بالاقتصاد في أبريل 2020، مع مواجهة خطر الإفلاس والتخلف عن السداد والمخاوف بين المستثمرين من عدم قدرة اليونان على الوفاء بديونها لاسيما مع ارتفاع معدل عجز الموازنة وتصاعد حجم الدين العام، الذي أشار إليه الخازن العام .
هل يمكن أن تكون المعارضة أقسى من هذا؟
أبدا…
طريق المديونية مفروشة بالأشواك وبالتصريحات المتفائلة، فهل التفاؤل هنا هو فقط تعبير عن … نقص في المعلومات عكس التشاؤم الذي يفيد التوفر على المعلومات؟
علينا أن نشكر الخازن العام للمملكة عن هذه الصراحة المؤلمة والوطنية …شكرا السي نور الدين.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 02/12/2021