لنتحدث مع العروي عن الحرب مع الجزائر: إنها قائمة! -1-

عبد الحميد جماهري
«بالنسبة للجزائر، الحرب مع المغرب قائمة»، وهي جارية الآن وتدور أطوارها وإن كانت بشكل مختلف. وهو ينبهنا في صفحات من كتابه الأخير «دفاتر كوفيد» أن من السخافة الاعتقاد بأن السياسة الحالية للجزائر غير عقلانية، أو أنها من فعل سياسيين جهلة وعسكريين خَرِفين، وأن قادة جددا يمكنهم أن يديروا لها ظهورهم.ويؤكد ويزكي بالقول إن «هذا وهم خطير».
إذن الحرب، ليست قادمة، بل هي قائمة وتفاصيلها وفصولها وأطوارها ما زالت تبحث عن تسميتها القديمة التي يعرفها الناس فقط!
ويعتقد الكثير من المحللين وأصحاب القرار أن من الضروري شغل الجزائر ببعض المهام في المنطقة (من قبيل وساطة بين ليبيا وتونس، وبين مصر وأثيوبيا)، وذلك حتى «لا يزرع حكامها وينشرون الفتنة والفوضى في محيطهم». ولعل المحللين في المخابرات الأمريكية CIA يشاطرونهم الرأي، بهذا الخصوص، وبنفس الإحالة.
ينطلق المؤرخ المفكر من مضامين خطاب ملك البلاد في عيد العرش في يوليوز 2021. والذي عبر فيه الملك، عن دعوة جريئة لليد الممدودة إلى النظام الجزائري. وقتها كان المناخ العام، لا سيما في المغرب، يدعو إلى العكس. ولعل المؤرخ يثير الانتباه إلى النبرة التصالحية التي طبعت الخطاب، في سياق متوتر، كما اعتبره كثيرون ونحن منهم أنه خطاب يتجاوب مع «إصرار العاقلين»، الذين يسعون إلى تجنيب المنطقة حربا لا تبقي و لا تذر.
وفي الجانب الآخر، يرى المفكر بأن أسباب هذا الخطاب أعمق مما عالجته التحاليل الصحافية والتصريحات العامة، بل يذهب إلى حد التخمين بأن الخطاب كان سيكون مغايرا، لولا الظروف المحيطة به، لا سيما تحركات الخارجية الأمريكية، والتمثيليات الغربية التي جعلت للجزائر بعضا من الموقع في إدارة سياستها في المنطقة (نتحدث عن أولوية ما). ومن الإشارات التي كانت مضمنة في الخطاب، حسب العروي، التجاوب مع إرادة أمريكية وأخرى أوربية تطمئن الجزائر بأن «المغرب لن يكون أبدا مصدرا للشر بالنسبة» لها، وبلغة الديبلوماسية أن المغرب لن يسعى إلى زعزعة استقرار الجزائر.
ولا بد من أن نذكر هنا أن الخطاب جاء في سياق أثار الكثير من التصورات والتحليلات والتعليقات والشك، بعد أن كان عمر هلال قد رافع دفاعا عن حق «شعب القبايل » في تقرير. المصير، في الرد على الهجوم الجزائري البغيض الذي تحدث عن «حق الشعب الصحراوي»!
كما أن الجزائريين ربما تلقوا تطمينات من دول غربية، تخشى أن تفضي الأوضاع المتوترة في الجارة الشرقية إلى تدفق غير محسوب للمهاجرين، وهو نوع من التساهل الأوروبي الغربي المتفهم للوضع الصعب داخل دولة الجيران ، رفع من درجة يقين النخبة الحاكمة في الجزائر بدورها، وأيضا »التعالي» عن الرد الإيجابي المنتظر على دعوة المغرب.
ويرى هذا التحليل أن حكام الجيران هم لن يردوا بالإيجاب على أي تقارب مع المغرب اللهم إلا إذا توفرت 3 شروط بالغة الخطورة :
أولها، تفاقم الوضع الداخلي للجزائر.
ثانيها، إيمان العسكر الشرقي بأن الحرب ليست هي الحل.
ثالثها، الكلفة العالية لأي توتر عالي الضغط يعملون على رعايته وتغطيته وتمطيطه زمنيا.
ولعلنا في السياق ذاته نذكر الحوار الذي كان قد أجراه الرئيس الجزائري تبون مع يومية «الفيغارو» الفرنسية. بعد قرابة سنة على خطاب الملك محمد السادس. وقتها اعتبر تبون في دجنبر 2022، أن قرار قطع العلاقات مع المغرب كان «بديلاً لنشوب حرب بين الدولتين»…
وهو ما يشكل تلاق مع تحليلات العروي، ويبدو المؤرخ يوافق الرئيس على وجود الحرب.
والخلاف أن المؤرخ يعتبرها قائمة وأن الرئيس يعتبرها استبدلت بقطع العلاقات..
وفي الوقت نفسه، تتتابع السيناريوهات حول الحرب، (ومن ذلك ما نشرناه في عدد أمس) حول سيناريوهات كتاب صدر حديثا في فرنسا، وهو إن كان يمتح من الخيال السينمائي مقومات وجوده، فإنه يرى أن ما هو في حكم الوقائع كون السيناريو يتغذى أيضا من الحوليات السياسية.
ومن ذلك استمرار التوتر انطلاقا من التراب الجزائري ورعايته الهجمات على المغرب، بشكل صريح، من طرف اليد المسلحة للنظام في الجزائر.
وفي التقرير الأممي الذي سبق للأمين العام للأمم المتحدة أن قدمه أمام مجلس الأمن في أكتوبر الماضي، سرد لأزيد من 500 حادثة مسلحة تعرض لها المغرب، كما صرحت بذلك القوات المسلحة الملكية لبعثة المينورسو وأيضا إلى جانب حديث صريح »عن حرب ذات كثافة منخفضة«، وبذلك نفهم أن حدتها منخفضة فقط وليس غيابها ..
كما أن المغرب في رابع أبريل الماضي قد عبر عن وجود حالة حرب مسجلة موصوفة عند استقبال ديميستورا، وورد في ذلك تعبير واضح عن استحالة «عملية سياسية جدية، وفي وقت ينتهك فيه وقف إطلاق النار يوميا من قبل مليشيات البوليساريو».. وهو أمر يكاد يقول بوجود حرب على المغرب، بالكاد تخفيه المشاورات السياسية…
يتبع!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 29/05/2024