لوموند و«الحَرْكة» الإعلامية الجديدة...

عبد الحميد جماهري
لم تجد يومية «لوموند» اسما صحافيا يليق بها لمهاجمة المغرب، فبحثت عن المدعو مجيد الزروقي، الجزائري الذي دخل المقالة السياسية الحقوقية من باب التوضيب التقني للصور والبيانات،graphisme ويعتبر امتدادا لمجموعة «فوربيدن ستوريز»..
هذه المرة اختارت «لوموند» أن تهاجم المغرب من زاوية اتهامه بالتعذيب، انطلاقا مما وصفته بدعوة ضد المغرب أمام الأمم المتحدة عن طريق جمعية العمل المسيحي لإلغاء التعذيب، وجمعية المدافعين عن المعتقلين الصحراويين..
فتحدث صاحب المقال طويلا عن ما سماهم أربعة صحراويين تقدموا بالدعوة أمام الأمم المتحدة…
ولم يذكر ولو في سطر واحد رأي البلاد الذي خصص لها ثلثي الصفحة الرابعة، ولم تكلف «لوموند» نفسها أن تتحقق من آرائه وأهوائه الشخصية الجزائرية ضد المغرب، بل وجدت فيها تلخيصا لكل ما تريده من شر للمغرب…
أوكلت له مهمة تعرف بأنه سيحسنها نظرا لعداوته المستحكمة والجينية ضد المغرب نظاما ودولة وشعبا…
بطبيعة الحال لم يكن مطلوبا منه أن يجتهد في وصف التعذيب الذي يدعيه باسم « المناضل» الصحراوي، حسن الداه، بل كان يكفيه في ذلك أن يعود إلى أقوال المعتقلين في الجزائر وينسبها إلى أحد الأربعة الذين تحدث باسمه وينسب ذلك إلى…. المغرب!
لكن كان عليه أن يقنع الرأي العام بقصته وقصة من معه، ويقول السبب الحقيقي لاعتقالهم.
فـ «لوموند» التي تتحرى كل عبارة تخص بلادها وبلاد الجزائر، اكتفت بإشارة عابرة إلى «مقتل عناصر للأمن»، وواصلت «الحركة» ضد المغرب.
لم تذكر بأن من تسميهم معتقلين، مثلا، كانوا وراء اغتيال رجال الأمن والقوات المساعدة ، بطريقة وحشية وحيوانية، وأنهم مثَّلوا بالجثث (هل المسيحية التي تعتمدها الجمعية التي تقف وراءهم تسمح بالتنكيل بالموتى؟).
وللتذكير، فيومية «لوموند» كانت ذات صيت في أوساط الحقوقيين المناضلين المغاربة قبل غيرهم عندما كانت تقف إلى جانب الحقيقة ومع الحقيقة وبلسان الحقيقة بدون نفس مغرضة ودفاع عن القتل… أما وقد وهبت منبرها للقتلة فلا أحد سيقتنع بأنها تكتب الحقيقة، لا سيما عندما تكون نابعة من قلم «كاري مدادو»!
لم يشكك ولو لحظة في ادعاءات الانفصاليين الذين يقدمهم كـ «مناضلين صحراويين»، ولم يشر ولو لحظة لتفاصيل «اكديم ايزيك» وتفاصيل قتل رجال السلطة، وقبل ذلك كل المساعي التي قامت بها المملكة من أجل رفع الاعتصام بطريقة سلمية إلى حين بدأ المسلحون الانفصاليون عمليات القتل والتمثيل في حق رجال الأمن.. ولم تعط الأطراف التي أدانتها واتهمتها وأصدرت الحكم في حقها الكلمة لتقديم روايتها لاستكمال شروط المهنية، كما هي منصوص عليها في أبسط دفتر إعلامي...
كل ما أصرت عليه هو خلق استراتيجية بديلة لحرب الانفصال عبر إهانة الحقيقة والتنكيل بالشهداء الذين راحوا ضحية أداء واجبهم…
والجملة اليتيمة التي كتبتها عن تسع أرواح مغربية هي (تسعة من عناصر الحفاظ على الأمن قتلوا، حسب السلطات! التي لم تقم بإحصاء القتلى في أوساط المحتجين…).
وكانت البساطة تقول إنهم غير موجودين!
لكن ذلك لا يروق «لوموند» بل تريد من السلطات المغربية أن تقدم أرقامهم.. ولو انعدمت!
السؤال: لماذا لم تواصل «لوموند» إبداعها وتجد رقما لتقدمه ما دامت قد وقفت على «سهو» السلطات؟
لأنها ببساطة لا تملك أي رقم تكذب به وتدعي اتهام المغرب به، في حين عملت على تبخيس استشهاد تسعة مغاربة أثناء قيامهم بحماية بلادهم!
طبعا لم يعترف صاحب المقال ولا المحامي الذي استجوبته «لوموند» بأي مجهود مغربي في مجال حقوق الإنسان ولم يكلفا نفسيهما بالتذكير بكل ما تحقق في مغرب محمد السادس في الجانب الحقوقي، ولا يهمنا أن تعترف بذلك بل كان عليها أن تحصن سمعة بلاد فرنسا من مكيدة الانتقام وخدمة الخط التحريري المنتشي بالانتساب إلى جنرالات العسكر، الامتداد الجزائري لـ «فرنس أفريك».
إن ورطة «لوموند»، بالإضافة إلى أنها لاأخلاقية وتمس الآداب المهنية والأخلاقيات الإعلامية، هي ورطة حقوقية، بعد أن فشلت في ادعاءاتها في الملف المتعلق ببرنامج «بيغاسوس»، وفشلها في تقديم حججها المادية الدامغة، التي طالبها بها المغرب أمام محاكم بلادها ولولا أن القضاء تستر على ربيبته في القضية، لكانت في وضع قانوني يزج بها في العار والشنار.
ولهذا تلجأ إلى قضايا بديلة ومسيسة، في دعم الانفصال، الذي ترفضه في بلادها ولا تعطي لأنصاره الحق في الحديث على صفحاتها…
ليس من حق المغاربة أن يكونوا شهداء في الدفاع عن بلادهم، وليس من حق موتاهم أن يستحقوا الاحترام لكل مغتال غيلة وغدرا، لكن عندما يموت فرنسي واحد، تعلن «لوموند» الحداد ولا تبقي كلمة واحدة في النعي والتضامن ليسيل بها مدادها..
وهذه العنصرية هي التي تبرر العداء وليس المهنية ولا الدفاع عن حقوق الإنسان وعن تقرير المصير..ولا مناهضة التعذيب!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 13/06/2022