ليبيا – مالي: المغرب شريك أممي في السلام

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
أصبح المغرب معبرا إجباريا لأية استراتيجية تروم السلام في الإقليم المغاربي أو في الامتداد الإفريقي جنوب الصحراء، كما في مناطق إفريقية متباعدة على خارطة السمراء.
في الجوار الإقليمي المحايث، أصبحت بوزنيقة وطنجة اسمين ثابتين في أجندة الحل في ما يخص السلام في ليبيا، الجارة البعيدة القريبة في المشارف المتوسطية – الشمال إفريقية، تعرف جنوحا دوليا واسعا لتقرير مستقبلها، بالسلاح أول الأمر وبتوازن القوى التكتيكي في مؤتمرات تقع في جنيف أو في برلين، في المغرب وحدة لا يتكلم المتفاوضون الليبيون لغة الموازين، بقدر ما يجنحون إلى سلام شجاع وذكي، لعل أحسن تعبير عنه هو ما ورد في البيان الثنائي، باسم مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة الليبي، الصادر أول أمس الثلاثاء بطنجة، والذي تكلم عن «الملكية الليبية للعملية السياسية».
ولعل العبارة ترجمة لما يتمسك به المغرب، نفسه: أي لا أجندة للمغرب في القضية الليبية والأساس هو تملك الليبيين لقدر بلادهم، والعمل بموجب الآليات التي نص عليها الاتفاق السياسي الليبي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
والأجندة الليبية تعني بناء الدولة المدنية، وبسط سلطة الدولة على كافة الأراضي الليبية وإطلاق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وعودة النازحين والمهجرين داخل وخارج البلاد بكرامة وأمان مع حق جميع المتضررين في جبر الضرر والمقاضاة وفقا للقانون.
الليبيون شكروا جلالة الملك محمد السادس على رعايته لمسلسل المصالحة والسلام لمدة خمس سنوات – أي منذ سنة 2015 -، والذي احتضنته الصخيرات وبوزنيقة وطنجة .
ليبيا، هذا الجوار المغاربي المتوسطي، انشغال دولي كبير، برز فيه المغرب كشريك للسلام مع الأمم المتحدة، كما في قضية التوأم الإفريقي الذي يعيش صعوبات، لا تخفى فيها الاستراتيجيات الدولية المتعاقبة، ونعني به دولة مالي.
وقد كان لافتا في المتابعة الإعلامية السياسية أن سفير المغرب في باماكو قد حظي بأول استقبال من طرف المجلس الانتقالي العسكري الذي يقود البلاد بعد إطاحة الرئيس السابق، وهو ما حقق للمغرب مقعدا تفضيليا، ضمن الدول التي ترعى المصالحات في هذا البلد.
بعد الاستقبال المشهدي وبعد أقل من شهر على أحداث الانقلاب، طار ناصر بوريطة إلى العاصمة باماكو، لبحث الوضع فيها، بناء على تعليمات من ملك البلاد محمد السادس، قاد مباحثات مع الرئيس الانتقالي باه نداو ونائبه الكولونيل أسيمي غويتا، والوزير الأول الانتقالي، مختار أوان، وكذلك زعماء دينيين ماليين، من ضمنهم، الإمام محمود ديكو.
مواكبة الانتقال السياسي الصعب في البلد الساحلي رافقته وساطة الملك لإنهاء التوتر وصناعة السلام، ونقلت مصادر إعلامية إفريقية وأوروبية شبه إجماع حول الدور المغربي باعتبار بلادنا من الداعمين الأساسيين لجهود الاستقرار وتحقيق المصالحة في دولة مالي ومحاربة التنظيمات المتطرفة شمال البلاد.
لن نذكر التدبير المشترك، المغربي الأممي، لملف الهجرة، والذي جعل بلادنا هذه الأيام قبلة للأوروبيين والأمميين والأفارقة، وجعل مراكش العاصمة الدولية لتدبير سلمي وآمن عبر ما صار يعرف بميثاق مراكش، الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى دعوة »الدول الأعضاء في هذه المنظمة وكافة شركائها إلى مضاعفة جهود تنفيذ ميثاق مراكش حول الهجرة، وحماية الحقوق الإنسانية لكافة المهاجرين، بغض النظر عن وضعهم، خاصة في سياق جائحة كوفيد – 19».
الجدية والمصداقية والسمو الإنساني وأيضا بلاغة الفعل السياسي، هو ما فرض المغرب كمخاطب في ملفات حساسة للغاية، لا سيما وأنه لا يسعى إلى توفير فرص النصر لطرف على آخر، أو توتير الساحات الداخلية لحسابات الهيمنة العقيمة.
إن شراكة السلامة هاته، علاوة على وجود جنود المغرب وقوته العسكرية في خدمة السلام، كما هو الأمر في قبعات السلام الزرق في مناطق إفريقية، لا يمكن تفسيرها إلا بالمعنى الذي يعطيه المغرب لمفهوم العائلة المؤسساتية، عندما تحدث عن العودة إلى الحضن المنظماتي لإفريقيا، الاتحاد الإفريقي، وهو مفهوم مناقض تماما إن لم نقل إنه يعوض مفاهيم تلاشت، كالعائلة الإيديولوجية، التي سادت فيها هيمنة الدول الإقليمية الطامحة إلى السيادة المتعجرفة، وسقطت أيضا ديبلوماسية الحقائب البترومالية، عندما انقشعت أوهام التنمية العسكرية للاشتراكية في بلدان إفريقية سعت إلى بناء قطب متجمد في التاريخ حول البيان الشيوعي وقبلة موسكو ذات حرب باردة…
هذه الشراكة الجدية وذات المصداقية في صناعة السلام، هي التي تجعل المغرب يتمسك بالقاموس الأممي السلمي وبالآفاق السياسية لتعديل المستقبل الجماعي في الإقليم المغاربي وفي الجنوب الساحلي، وفي المنطقة الأرومتوسطية وفي الشرق الأوسط.
هناك، وهنا، للمغرب عقيدة متماسكة قطبها السلام والحزم في الحق…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 03/12/2020