ماذا لو يبدأ الإحصاء من دواوير زلزال الأطلس؟
عبد الحميد جماهري
ماذا لو يبدأ الإحصاء الوطني من منطقة الأطلس، وتبدأ الانطلاقة الميدانية، من حيث ترك الزلزال آثارا بشرية وعمرانية وكشف أشياء عميقة في المجتمع ؟
هي فكرة عابرة، قد تستقر أوْ لا، في ذهن من يقرر، لكنها لا تخلو من رمزية، باعتبار أن واحدا من بين الأهداف المتعلقة بالإحصاء هو المعرفة الدقيقة بواقع المغاربة من خلال وحدات عمرانية وجغرافية وبشرية محددة.
تبدأ دروس الزلزال من تسمية المنطقة، كما يلاحظ ذلك فريق مجلة «المجتمعات السياسية المقارنة»، الذي قاده السوسيولوجي محمد الطوزي وأنتج تقريرا غاية في الأهمية.
أولا: يفضل الفريق، ونحن معه، اصطفافا منطقيا، وذلك بتسمية الزلزال زلزال الأطلس وليس الحوز، ذلك أن الاسم الأول يعطي فكرة عن التقسيم الجغرافي والبشري، في حين تحيل تسمية الحوز على التقسيم الإداري، وهو بحد ذاته موقف قيمة، تقليص لمجال المقاربة.
زد على ذلك: أليس سوء تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم؟
وقد يترتب عن ذلك زاوية نظر مخالفة تعطي الأولوية للإنساني المجتمعي على حساب التدبير الإداري المحكوم أحيانا باعتبارات لا تراعي الشرط السوسيولوجي.
ومن مبررات الانطلاق من المنطقة في الإحصاء هو إعطاء الإشارة إلى استمرار ما تبين من نقط قوة في تدبير الكارثة، وفي قلب ذلك ما أشارت إليه التقارير المحال عليها، على الأقل في مستويين:
1-التأكد من سرعة تفاعل المؤسسات وتضامن المجتمع المدني.
2- فرصة الوقوف مجددا على عناصر السيادة والتضامن التي صعُب على الخارج فهمها ومن ثمَّة استطلاع امتداداتها بعد سنة على حدوثها.
===
والإحصاء، لا شك أنه لحظة سوسيولوجية أساسية، يتم من خلالها الاطلاع المباشر على آليات تفكيك وفهم السياسات العمومية للدولة ومدى نضج أو قصور مسلسل الجهوية واللامركزية واللاتمركز، ومعاينة ذلك ميدانيا. وفي ذلك فرصة للاطلاع المرقم والمعزز بالمعطيات عن:
1- حدود سريان ونشر القرارات والقوانين الخاصة بتدبير الأزمة من الفوق، و في الوقت ذاته تمحيص كيفية الوقوف على الميكانيزمات المستخدمة في تعميم تفكير إداري منغلق يغيِّب الخبرة المباشرة والمعيش الجماعي في الحيز الجغرافي المعني بالكارثة وما بعدها..
2ـ مدى حضور التحولات المجتمعية في ذهن من يدبر مخلفات الزلزال، لا سيما وأن الكارثة الطبيعية أبرزت خصاصا مهولا في معرفة حقائق العيش والحياة في العالم القروي، وفتحت المجال مجددا لطرح الأسئلة «البدائية» حوله!..
===
وفي الخلاصات المطلوب من الإحصاء تحديدها، وطنيا هناك بعض العناصر التي تمت على مستوى منطقة الزلزال أو ما يمكن أن نقول إن الكارثة عرَّت عن فصوله، ومن ذلك :
1- إدراج التفكير والتخطيط لإمكانية حدوث مأساة جماعية رهيبة سببها الطبيعة والإنسان، والاستعداد لها بما يجب من سرعة ومن نجاعة، مع توقع تأثير ذلك على فهم الحياة الاجتماعية في الجبال وفي العالم القروي .
2-تعرية الاختلالات في مجالات كشف الزلزال عن غيابها عن تخطيط صاحب القرار، وهي التي تتعلق بمعايير البناء والثقافة السياسية عند الفاعل الوطني والمحلي.
3- التفاوت الاجتماعي.. باعتباره عنصرا لا محيد عنه في تدقيق معطيات الواقع المغربي وفي ذلك الخلاصات التي خلص إليها الجميع من وجود مغرب لا نعرف عمق هاويته!
فقد هدم الزلزال الكثير من القناعات الفوقية في اتخاذ القرار كما تفجرت معه إكراهات جديدة في تفكير صاحب القرار، كما تفجرت ينابيع وعيون ماء جديدة.
===
ومن بين الأشياء التي قد يجيبنا عنها الإحصاء في الذكرى الأولى للزلزال :
ـ ماذا فعلت النخب الإدارية والسياسية والمهنية ولوبيات العقار بكل الرسائل والتوجيهات الملكية التي عبر من خلالها الملك، أنه لا يساير النظرة البيروقراطية العقارية المحكومة بسرعة البناء الجاهز وحده، بدون الحفاظ على هوية المكان واشتراط توفير شروط العيش الثقافي والروحي المشترك! …
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 24/08/2024