ماكرون:غطوا هذا الكاريكاتور الذي لا أود النظر إليه !

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
من فرط علمانيتها الجديدة التي صهرتها الحرب الروسية الأوكرانية والعودة الُمْنعشة للوئام الأوروبي، تختار فرنسا للحرية شكل الكاريكاتور الذي يليق بها، وتُخلِّصها من الشكل الفني الذي لا يناسب المناخ الدولي الجديد، ومزاج جنود الحرية الغربيين.
هناك كاريكاتور للحرية، وهناك كاريكاتور لسوء التربية !
والفرق بينهما، أرادت باريس أن يعرفه السفير الروسي في باريس الذي استدعته فرنسا بعد رسوم كاريكاتورية …غير مقبولة«!
فالدولة هي الكاريكاتور، كما أن الأسلوب هو الرجل.
ولم يجد إيمانويل ماكرون ما يستهدي به في هذه الفترة العصيبة، من الحرب والحرية والانتخابات، سوى أن يتدثر بتلك القولة الشهيرة على لسان شخصيات موليير: »خبئوا هذا النهد الذي لا أود النظر إليه« Couvrez ce sein que je ne saurais voir.
فقد تم استدعاء السفير الروسي لدى باريس إلى وزارة الخارجية يوم الجمعة الماضي بعد نشره على حسابه على تويتر رسوما كاريكاتورية اعتبرت الدبلوماسية الفرنسية أنها “غير مقبولة”…
وقالت الخارجية الفرنسية إن هذا »السلوك غير ملائم على الإطلاق«، في إشارة خصوصا إلى رسم كاريكاتوري يظهر الأوروبيين جاثمين أمام العم سام الذي يرمز إلى الولايات المتحدة.
أما الرسم الثاني فيظهر أوروبا مريضة، مستلقية على سرير، ويَحْقنها جلادان هما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمواد مختلفة باسم “النازية الجديدة” و”الخوف من روسيا” و”كوفيد-19″.
من يذكر إيمانويل ماكرون، وهو يخاطب الفرنسيين والعالم، واقفا صارما بلسانه اللائكي الحاسم وهو يقول»: لن نتخلى عن الكاريكاتور، لن نتخلى عن الرسوم حتى ولو تراجع الآخرون… !
لم يحدد الرئيس الفرنسي أي الكاريكاتيرات والرسوم التي لن يتخلى عنها. عندما كان الأمر يتعلق برسوم النبي محمد وكاريكاتوراته التي فجرت كل الغضب والرصاص الذي نعرفه.
لقد وجدت فرنسا، التي ترأس الاتحاد الأوروبي وتقود المفاوضات مع الرئيس الروسي بوتين، أن الرسم الأول يهين عمدا أوروبا عندما يضع قادة القارة العجوز في حالة خنوع أمام العم سام.
وليس لدينا ما يكفي من عناد ولكي نقول العكس، فالإهانة مرفوضة ولو كانت تلميحا سرياليا !حتى ولو كان الرسم الدال عليها، مجرد تخطيط بالحبر لما يقع بالحرب !
لكن أن يغضب ابن العلمانية والحرية من صورة للقارة وهي عارية…؟؟؟؟
فيا للهول:أوروبا عارية ويحقنها جلادان…
أوروبا عارية وممددة على سرير متقشف لا تغطيها سوى .. الحرب !!
وأوروبا عارية والتلميحات تشمل أنها تغتصب بكراهية روسيا والكوفيد والنازية الجديدة !
وهي كلها أخبار مزعومة.. ولا شك
فلا أثر للجرعات النازية الجديدة في أوروبا، ولا شارات بصلبان معقوفة وتحيات »فوهررية« متأخرة!
ولا أثر للـكوفيد !
ولا أثر لكراهية الروسية !
ولا حرية لمن لا أثر له !
لا ترى فرنسا الطاعنة في الحرية والأخوة والمساواة، غروا في أن تكون الإسلاموفوبيا من مستملحات الحرية والفن الساخر، ولا غضاضةَ في التنكيل بنَبيِّ المسلمين باعتباره امتحان الحرية الفائز وصك العلمانية الذي لا يبلى..
وإن فرنسا التي اندلعت فيها الثورات من أجل الحرية، هي نفسها التي راكمت معسكرات مفتوحة للعقلانية وفلاسفتها، ولنا أن نسأل عن العقلانية في الدولة التي تقبل كاريكاتورا عن نبي من الأنبياء، كيف تسمح لنفسها أن تتفرغ كليا لمطاردة كاريكاتور عن قارة ، ولو كانت عارية، تذكرنا بما قالته تلك الآنسة المزدحمة بالرغبات الذكورية لفيلسوف شهير في فرنسا، »خبؤوا عني هذا النهد الذي لا يمكنني ان أراه«.
هذه القارة أوروبا، التي وضعها كاريكاتور روسي على المشرحة كانت تخفي أوروبا أخرى تتسامح عندما يوضع نبي ما على مقصلة الفن المجنح !
في الوقت الحاضر، لا يمكن أن نحد مساحات الكاريكاتور، ولا حصره في مربع على صفحة ورق صحافية:هناك أبعد من الحبر والورق والخطوط الكاريكاتورية، هناك الكاريكاتور الأخلاقي الذي تقف عليه الحرب. كاريكاتور يجعل من الأخلاقي تماما أن يخضع كل شروط الحرب الجزرية، إلا .. الغاز الذي تحتاجه الدول الأوروبية !
وقد شهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند على المشهد برمته عندما رأى أن هناك مقايضة غير مسبوقة، مقايضة رهيبة : دفع ثمن الغاز بعملة الأخلاق.. ولا يرى فرانسوا هولاند من الملائم أن يدفع الغرب ثمن وقود الحرب التي نرفضها، بعملة الأخلاق.وهو في ذلك يقف على المعارضة الأدبية بين الوقوف ضد بوتين في حربه، لكن مع شراء غازه وبتروله ومنحه الأموال التي يحتاجها في هذه الحرب. في تناقض أخلاقي رهيب، يجعل الكاريكاتور واسعا سعة القارة والعالم !
ففي مقال له نشرته الصحافة الفرنسية، يرى أن احترام الحاجة إلى 40% من واردات الغاز والنفط الروسيين وشرائهما من موسكو دعم للقتل والتهجير، وهذا سيزداد مع القناعة أنه »سيكون من الصعب للغاية إيجاد بديل للنفط الروسي في الأسواق العالمية«…
يكون من السخرية كثيرا أن تتحول الحرب الحية إلى حرب على الموتى من الأدباء، ويصبح الأدب الروسي في المقصلة ..
وهو أيضا كاريكاتور حقيقي، يجعل الغرب كاريكاتور نفسه وظل بعضه …فكيف يسْتدعى الأديب دوستوفسكي، صاحب »الجريمة والعقاب،« إلى المجالس العسكرية المنعقدة على الدوام بسبب الحرب على أوكرانيا، وتتم إدانته، بل يجد كل مرة متهمين جدد إلى جانبه في قفص الاتهام، من الموسيقيين إلى المسرحيين وإلى السينمائيين..
الكاريكاتور هو أن »الجريمة يقوم بها بوتين، والعقاب يناله دوستوفسكي » !
كان ماكرون يعتبر بأن الردود الغاضبة، هي عملية »توظيف وتسخير واستخدام« يقوم بها السياسيون ضد بلاده وليس شعورا حقيقيا للمسلمين في موقفهم من التهجم على نبيهم.وأنه يعرف من يدفعهم إلى الغضب..
كان يعتبر بأن عليهم ـ أي المسلمين ـ أن يتخذوا من الكاريكاتور سببا لكي يهدئوا شعوبهم ..
والصدمة مفهومة أما النفي كرد فعل فغير مقبول، هكذا قال ماكرون، ما معني استدعاء سفير بلاد من أجل كاريكاتور؟
يشدد الرئيس في خطاب له »على أن الحريات حرياتنا والحقوق حقوقنا ولا أقبل المس بها«..
ولكن المس بحريات الآخرين في الكاريكاتور لا بأس به، ما دام الآخرون ليسوا نحن ..
ولا ما دمنا نحن لسنا الآخرين.. !
بعد الفضيحة المتعلقة بالمهاجرين وأديانهم وملابسهم وسياراتهم
صار من الفضيحة الجديدة أن تكون للآخرين حرياتهم التي تقصها أوروبا متى شاءت..
ولهم كاريكاتورهم الذي لا علاقة له بتعبير الفن الحر ..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 28/03/2022