ماكرون وتياره أكبر الخاسرين!

عبد الحميد جماهري

لم تفرز الانتخابات الأوروبية، انقلابا كبيرا في الخريطة التمثيلية داخل البرلمان، استثناءين اثنين: أولهما تقدم اليمين المتطرف وفوزه بمقاعد جديدة، تكشف عن تقدم خطابه وتجذره في أوساط معينة من الناخبة الأوروبية، كما يكشف القدرة على التعبئة بشعارات ذات حمولة إيديولوجية، وتراجع ملحوظ لأحزاب اليسار الراديكالي ومعه الخضر في العديد من الدول.
وفي المقابل، حافظت الكتلة اليمينية الكلاسيكية التي يجمعها الحزب الشعبي الأوروبي، على صدارتها في المشهد التمثيلي، متبوعة بقوى الاشتراكية الديموقراطية، والتي حققت بعض الانتعاشات أو حافظت على صدارتها في العديد من الدول، لاسيما التي عرفت تراجعا كبيرا للاشتراكيين فيها من قبل، مثل فرنسا.
ولكن التراجع الكبير، والذي لم يغب عن أنظار المتتبعين وصناع الرأي والمحللين، هو تآكل التجمع الانتخابي الجديد في أوروبا ( النهضة) والذي تنتمي إليه مجموعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
في التقدير الأول والمباشر، من زاوية النظر المغربية، يعتبر بقاء الحزب الشعبي في الدائرة مكسبا مهما، إذ كان أكثر وضوحا في الدفاع عن المغرب في اللحظة التي تعرضت فيها بلادنا، في يناير 2023، لهجوم قوي من تحت القبة البرلمانية، باسم الدفاع عن الحقوق والحريات . وهو الموقف الذي تبناه البرلمان الأوروبي وقتها، لأول مرة منذ 25 سنة!
وفي المقابل ، تعتبر الكتلة الاشتراكية الديموقراطية منقسمة، حتى في فترة التصويت على القرار المناهض للمغرب ..
ومن زاوية المغرب يعتبر بقاء الكتل التقليدية ضمانة على تعامل عقلاني مع قضاياه، بعيدا عن الإيديولوجيات المتطرفة والاستخدام غير الأخلاقي للساحة البرلمانية في ابتزاز الدول والشعوب.
ومن منطلق المصلحة الوطنية تعتبر الضربة الموجهة إلى التيار الماكروني رسالة لا بد من إبرازها.
لقد خسر التيار المناهض للمغرب كتلة مهمة كانت جيشه في الحرب على البلاد، وبالرغم من كون رئيسه السابق سيجورني تخلى عن لغته إياها، واعتنق خطابا آخر بعد تعيينه رئيسا للديبلوماسية، فإن الامتدادات السابقة كان من المحتمل أن تبقى خلفية في العلاقات بين البلدين.
ولعل التغير الأساسي الذي استتبع التطورات القارية هو الانفجار في المؤسسات الفرنسية، وما سيستتبعه من تطورات مرتقبة . وفرنسا في المشهد الأوروبي هي التي انفجرت فيها التناقضات الدينية وأدت إلى تفجر المؤسسة البرلمانية. وفتح الباب أمام إعادة تشكيل أغلبية المؤسسات في بلاد برج إيفيل.
من عناصر التحليل كون المجموعة النيابية الأوروبية في فرنسا خسرت المعركة لفائدة اليمين المتطرف ممثلا في مارين لوبين ورأس لائحتها جوردان بارديللا. وهو ما يرمي على الرئيس وتياره نوعا من العارالديموقراطي، باعتبار أنه حاول أن يلعب في ملعبهم من خلال مواقف ضد المهاجرين والهجرة وتدبير التعدد الإثني في فرنسا، وحاول تجاوز التيارات المتطرفة على يمينها.
ثاني هاته التطورات هو أن حل الجمعية العامة الفرنسية سيعيد عقارب التصويت إلى بدايتها، ولكي تسعى كل التكتلات السياسية إلى تصريف مواقعها الأوروبية على الخارطةالداخلية.
بالنسبة لحزب النهضة الذي قاد تيار ماكرون تحت لوائه الهجوم البرلماني، تعد الخسارة تصويتا أوروبيا بحمولة داخلية، ومزيدا من إضعاف التيار الماكروني، على اعتبار أنه خرج من الانتخابات التشريعية السابقة بدون أغلبية مريحة، ومما يزيد من ضعفه هو أن اليمين الجمهوري برئاسة سيوتي Ciotti سيدخل المعركة منفردا وبدون تحالف مسبق مع الماكرونية.
ويعطي ماكرون، من خلال قراره الانطباع أن الذي حدد المخرج السياسي هم أنصار اليمين المتطرف، حتى أن زعيمة فرنسا المتمردة مانون اوبري اتهمته »بأنه كان مدير حملة بارديللا«. ولأنه بقراره وضعه »في موقع المعارض المفضل لديه«.
إضافة إلى الراديكاليين والجمهوريين التقليديين، لا يمكن لماكرون أن يعول على تحالف ضد اليميني اللوبيني، أو هذاما يبدو على الأقل في هذه اللحظة.
ومعنى قرار ماكرون هو انتخابات سابقة لأوانها، أي انتخابات 2027 إلى 2024.
وسيكون عليه، في كل الحالات، إما سيناريو فرنسا ميتران، الذي نجح في تقوية غالبيته عبر تقسيم اليمين بواسطة التصويت النسبي باللائحة أو سيناريو شيراك . بحيث يتعايش مع وضع مغاير لما كان عليه في رئاسياته السابقة … والحديث عن تعايش مؤسساتي يصبح في حكم الوارد بقوة…
أو على أقل حال كما يتضح من مسلسل الانتخابات ذات نفس الطبيعة وحل البرلمان، منذ 1962. وكانت آخرها حل البرلمان في 1997 ، بعد أن كان جاك شيراك قد دعا إلى انتخابات سابقة لأوانها من أجل تقوية أغلبيته لكن الذي حصل. هو فوز الاشتراكيين مما نتج عنه تعايش. سياسي مع ليونيل جوسبان..
على كل، أفول الماكرونية بدأ يزداد وضوحا مع سطو اليمين واليسار الراديكالي وانتعاشة اليسار واليمين الجمهوري .. وللمسلسل بقية.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 11/06/2024