ما بين الديبلوماسية والمونديال : مقابلة نصف النهائي الأخرى مع فرنسا!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com
قبل أربع وعشرين ساعة من مقابلة وزيرة الخارجية الفرنسية السيدة كولينا لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، ستجري مقابلة أخرى تهم النصف النهائي، يومه الأربعاء، تجمع فريقي البلدين في مقابلة هي الأولى في تاريخ المباريات الكبرى.. مع احترام المسافة الواجب استحضارها في التمييز بين الأنواع وما بين الديبلوماسية والمونديال، من اتصال وانفصال، لا شك أن الوزيرة القادمة وبين يديها عدة ملفات وأزمة متعددة الأذرع والحمولات، ستكون قد أخذت المعنى السياسي من الندية… الرياضية.
لا بد من أن اللقاء لن يخلو من آثار للمقابلة الرياضية، وبغض الطرف عن نتيجة المباراة. وأهم شيء يكون من المفيد أن تستحضره الوزيرة، وهي تسعى إلى تفكيك قنابل صامتة في العلاقة بين البلدين، أنها في مغرب أهل نفسه ديبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا لكي يلعب في ميدان النخبة في العلاقات بين الدول، وقد عمل على ذلك مطولا، سواء في استقلالية قراره الاقتصادي أو في بناء تحالفاته أو في تعدد شراكاته.
للتذكير قبل الحديث عن جدول أعمال الزيارة، نعود إلى ما قبلها:
قبيل المونديال كانت خطابات المغرب قد ركزت على أولويات مطروحة على البلد لتأهيل نفسه، ومن بينها وضع قاعدة للتعامل الودي الشامل معه.
وقد بدا أن المغرب قرر، بسيادة تامة، أن يصنف نفسه بدون أن يقبل أن يختار له الآخرون مقعده في المحفل الدولي.
يجب ألا ننسى أن هذا المغرب، قد وصل مع محمد السادس إلى مربع الدول الند للدول الكبرى في منازعات كان يبدو أنه غير مؤهل لها. الجمع بين ألمانيا وإسبانيا في مقابلة واحدة. وقتها تساءل العالم ونحن معه: هل يملك المغرب أدوات طموحه في مواجهة عاصمتين أوربيتين ذواتا نفوذ كبير في الاتحاد الأوربي؟
واتضح أنه قادر على ذلك والنتيجة نراها بين أعيننا.
المغرب نفسه حصل على اعتراف أمريكي تاريخي بحقه في الوحدة، وأيضا في أن يكون مخاطبا رئيسيا لعواصم تصنع القرار الدولي.
سبقت هاته الفرحة فرحات كانت تشتغل في دهاليز الديبلوماسية وأبعاد المنظمات الدولية، ليحقق الريادة في قضايا الأمن، والاقتصاد الأخضر، ويرفع من درجة تواجده في مواقع العالم المتقدم..
هو جيل العهد الجديد وسياسة العهد الجديد ورياضة العهد الجديد.
سيسجل المؤرخون الرياضيون أن المغرب وصل الى الواجهة الدولية المنشودة، كما يسجل آخرون أنه قد تكون الرياضة استمرارا للسياسة بالأقدام كما قد تكون السياسة نفسها شوطا من مواجهات رياضية.
لكن الرمزيات هي التي تؤسس للمعنى في واقع متحرك مثل العلاقات.
سيكون من المهم أن ننتبه إلى أن الفريق الفرنسي، في عمقه البعيد، فريق مهاجرين صاروا فرنسيين، كما يعلمنا تاريخ كرة القدم أن الكرة في جوهرها رياضة يحملها المهاجرون ولعل الباحثين الرياضيين سجلوا بأن نوادي كبيرة أسسها مهاجرون بريطانيون أمثال أوسكار كوكس في ريو دي جانيرو بالبرازيل وشارل ويليامز ميللر بساوباولو.. بعض النوادي الدولية الشهيرة مثال: «اف سي برشلونة» و»بوكا جونيور» أسسها مهاجرون سويسريون وإيطاليون.
والمطروح أن تكون الزيارة مناسبة لوزيرة الخارجية لتعالج مشكلة الهجرة، التي كانت الجزء الظاهر من الأزمة في تعقيدات الفيزا، والتي كانت بدورها الجبل العائم من أزمة لا تقول اسمها ولا تعرف بطبيعتها، وأن تتأمل الأجواء الرياضية، وما تسمح به من روح جماعية وما تخلقه من تحولات في مفهوم المواطنة الجديدة..
لقد تأخرت فرنسا في هضم الديكور الدولي الجديد في شمال إفريقيا وغرب المتوسط منذ خطاب ملك البلاد في 20 غشت 2020، والذي كان قد توجه فيه إلى الرئيس ايمانويل ماكرون شخصيا بدراسة الوضع بين البلدين.
وها هي فرنسا اليوم تطلب زيارة المغرب، مرة من طرف الرئيس نفسه بشكل غير رسمي وغير ديبلوماسي، لكنه واضح وعلني، ومرة بترتيب زيارة لوزيرة الخارجية الاشتراكية التي تعرف المغرب من زاوية الصداقة وليس من زاوية التأزيم..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 14/12/2022