ما وراء إدعاءات النظام في الجزائر بوجود مؤامرة فرنسية مغربية إسرائيلية؟

عبد الحميد جماهري
ليس هناك ما يثير شهية نظام معزول وسط ثكناته أكثر من نظرية المؤامرة وسيناريوهات الجاسوسية، وهو بالذات ما يجعل نظام العسكر في الدولة الجارة مهووسا بسيناريوهاتها، والعيش على مردوديتها الدلالية في حقل سياسي وطني مسور بأسلاك شائكة…
فقد خطت الطغمة الحاكمة خطوة أخرى نحو السديم، وهي تحيك سيناريوهات، تكون نهايتها المنطقية هي الحرب، لو كانت فعلا حقيقية!
المناسبة، التقارير الاستخباراتية التي سارعت «الخبر» الجزائرية ورديفتها «ليكسبريسيون»، الصادرة بالفرنسية، إلى تعميمها، بخصوص وجود تآمر ثلاثي فرنسي إسرائيلي مغربي، يسعى إلى تقويض الأمن وزرع الفوضى في 4 ولايات جزائرية!
لن نقف كثيرا عند السرعة التي وصلت بها هذه الأخبار إلى هذه الصحافة، بحيث نشرت الموضوع بعد أقل من 24 ساعة عن تاريخ «انعقاد اجتماع عالي المستوى بين المخابرات في الدول الثلاث»، ولن نقف مطولا عند الحاجة الماسة التي يستشعرها نظام تزداد عزلته إلى فيلم تشويقي من نوع الجواسيس الثلاثيين، الذين يستهدفونه، «دليلا على قوته الدولية»!
سنكتفي ببعض الملاحظات البسيطة، وننتهي إلى خلاصة بديهية:
في البداية لم يصدر عن المصادر الرسمية تفسير للتحول الكبير والاستراتيجي للمخابرات الفرنسية إزاء دولة الجنرالات!
فلا أحد فسر للجزائريين، كيف أن باريس أرسلت جنودها المستخفين والمستبصرين في الأمن الخارجي والداخلي، إلى إسرائيل من أجل زعزعة استقرار دولة تعتبرها اليوم الحليف المركزي في شمال إفريقيا وفي تدبير الأوضاع في الساحل وجنوب الصحراء.. ولا أحد فسر لعموم المواطنين في بلاد مغلقة مثل علبة سردين، كيف أن هذه الدولة الصديقة والحليفة (تذكروا العناق والقبلات المسموعة بين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون)، تقرر سريا عكس ما تعلنه أمام العالم، في وقت طبَّلت نفس الصحف لتبادل الزيارات والتوقيعات والوفود بين البلدين!
ولا أحد فسر للجزائريين كيف أن تبون يتغنى بالصداقة مع باريس، في وقت يبدو أن العسكر يندب حظه إزاء مخططاتها السرية مع المخابرات الإسرائيلية والمغربية…
قد يكون التفسير في هذا الاختلاف بين الأغنية والنحيب! بحيث يرقص الرئيس على أنغام «المارسييز» في وقت يبدو العسكر (الذي اعتبره إيمانويل ماكرون مختطف الرئيس ومحتجزه في نظامه المتهالك)، أكثر ميلا للصفير والتباكي وإعلان المؤامرة.
ولعلي لن أسقط في خطيئة ما أنبه إليه، أي التأويل البوليسي في تفسير خطوة خرقاء من هذا القبيل، والقول إن هذه «الخرجة» الجديدة والمأذونة كانت ربما على صلة بـ«الأوديو» الذي انتشر مثل النار في الهشيم والمنسوب إلى الرئيس الفرنسي ماكرون، والذي يصف به النظام الجزائري بأوصاف تحقيرية ويكشف عن الضعف والاستنزاف الذي عانى منه، وعن ترفع المغرب عن الدخول في منطقه والإعلان عن المواجهات المباشرة…
من جهة أخرى لا يبدو العسكر مقنعا في الحديث عن المغرب، ومخابراته، بعد أن كان قد اتهمهما بالحرائق (يا للمصادفة غير السعيدة) في غابات تيزي وزو والقبايل، التي يعود إليها كإحدى الولايات المستهدفة بالفوضى الاستخباراتية!
والمخابرات المغربية لها أجندتها، وهي أجندة الاستقرار والسلم ومحاربة الإرهاب، والديبلوماسية المعلوماتية في خدمة الشركاء والحلفاء، كما في خدمة البلاد التي تقع في قوس الأزمات، والمنطلق في جزءٍ منه من عاصمة الجوار نفسها.
ما لا يجهله النظام وأعمدته هو:
أولا: المغرب يتصرف بوضوح الشمس، والوضوح التام.
ثانيا: المغرب له ملك، أمير المؤمنين ورئيس الدولة، وهو الذي يحدد السلوك العام للدولة ولكل أذرعها وأجهزتها.
وملك المغرب منذ2008 يدعو إلى عودة الأمور إلى طبيعتها الأسرية مع الجيران.. وركز منذ سنتين وكرر على مسامع العالم أنه لن يأتي شر للجزائر من المغرب، ودعا إلى التعاون في خطبه المتتالية.
ونذكر بما قاله الملك محمد السادس بخصوص ما تروج له مكونات نظام الجوار: «أؤكد لأشقائنا في الجزائر بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتیكم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا».
وفي المغرب، الملك هو الذي يمثل الدولة وضامن مؤسساتها، وفي المغرب الأجهزة الاستعلاماتية وفية للبلاد والعرش، ولا أحد آخر غير الجالس على عرشها، يحدد السياسات ويعلن المواقف والجميع يسير في ركاب الحكمة والرزانة والصدق الملكيين في هذا االباب.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يرد المغرب أبدا بالمثل طوال 47 سنة، والمؤامرة الواضحة والمعلنة ضد وحدته الترابية تتم وتطبخ وتنفذ من داخل قصر المرادية؟
لأن المغرب يختار الدفاع باستماتة عن بلاده ويرفض المعاملة القذرة ولو كانت مربحة في نظر من يمارسونها.
الذي يقوم به النظام ليس مؤامرة في قاعات مغلقة، يظلل فيه دخان السيجار أجواءها وتزيدها النظارات الليلية قتامة…
المؤامرة الوحيدة واضحة وذهب ضحيتها عشرات الجنود المغاربة الشهداء. وهي المؤامرة التي تتم ضد المغرب، والمغرب يختار مواجهتها في… الوضوح الديبلوماسي في عواصم العالم، وهو رابح ولن يحتاج للتآمر…
فليطمئن العساكر طويلا… وعريضا!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 03/06/2023