مثالية الدولة

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
ورد في عرض وزير المالية، مفهوم مركزي في تدبير المرحلة القادمة، وهو مفهوم – أو قرار – بمثالية الدولة.. وهو في المعنى المباشر، يقتضي بأن تسهر الدولة على إعطاء النموذج في سلوكها وإنفاقها، والاشتغال على نفسها، لكي ترسم الطريق للآخرين، مواطنين ومقاولات ، جماعات وأفرادا..
ويهم ذلك كل مناحي مواطن تواجد الدولة، من تدبير القطاع العام، إلى الوزارات إلى السيارات، إلى الأملاك التابعة للدولة التي تثيرها الخ.
والدولة في هذا الباب، عليها أن تعطي أقوى ما عندها، وتجعل من حكامتها للقطاع العام، نموذجا في الترشيد، وفي الشفافية.
مثاليتها التدبيرية، تقتضي منها إيجاد الوسائل التي بوسعها أن تحقق الأهداف المنشودة منها.. الثقافة التنظيمية للدولة بلغة الأحزاب السياسية والتقدمية، عليها أن تجد لنفسها نموذجا تنظيميا بثقافة جديدة تروم الأفضل، وأن تدرج في هذه الثقافة التنظيمية، عناصر الجدة التي تنوي أن توجدها في المجتمع..
وقد يتساءل المواطنات والمواطنون، عن حق: على أساس أي مقاربة يمكن تحديد مثالية الدولة؟ أهي مقاربة مالية محضة، أم تنموية تدبيرية؟ أم حكامة وطنية؟
ومن الأسئلة التي يفضي إليها المقترب المالي، سؤال ضروري الإجابة عنه: كم تكلفنا الدولة، مما يمكننا أن نقتصده؟
وبالنظر إلى التنمية المستدامة، كم من مراجعات عليها أن تقوم بها في تدبير المساحات الخضراء، بالتقليص في استعمال السيارات ذات استهلاك الوقود، وتعويضها بسيارات بيئية أوصديقة للبيئة في مستوى الثلث من الاستهلاك…
وفي الحكامة الوطنية، سيكون على الدولة أن تمرر المثالية عبر الأمر بافتحاصات تهم منشآت الوزارات، وهو ما يطرح «تحيين» السؤال: كم من الوزارات خضعت له، وبناء على أي برنامج خاص بمثالية الدولة؟
وهذا الافتحاص لا يمكن القفز عليه، لأنه يحدد كم يستهلك كل موظف في طاقم الدولة، من الماء والورق والكهرباء والغاز، بالنسبة للتهوية الاصطناعية إلخ، أشياء تكشف جدية المتابعة، من أصغر موضوع إلى الأكبر..
في هذا الباب، لا بد من أن نتذكر أنه كانت أمام الدولة مناسبة من ذهب، وهي العمل عن بعد، بما قد توفره من أموال ومصاريف، هل تم تحديد هامش الاقتصاد والتوفير فيها، على سبيل المثال وليس الحصر؟..
وماذا تحقق في مجالات الإطار القانوني للتعبئة بالكهرباء والتنقل الكهربائي؟..
في واقع الأمر، عندما نتحدث عن «مثالية» الدولة، تحضرنا آخر محاولة فيها، قام بها الجهاز التنفيذي ، ويتعلق
بالسياحة، عبر فرضها داخليا، وفي الحدود المغربية..
النتيجة، لم تكن ذات مردود يذكر، ولم تقدم فيها أي إشارات أو أرقام مشجعة
..أولا، لأن الاختيار كان من شبه تحصيل الحاصل. فالحدود المغلقة، لا يمكن أن تشكل فرصة طيبة لامتحان مثالية الدولة.
ثانيا، لم يكن تطبيقها في هذه الحالة سوى باب للتندّر، ومن يفرض على نفسه المسير مشيا عندما تتعطل سيارته أو يتعذر النقل العمومي والأوطوسطوب!
ولعل الامتحان الأساسي لمثالية الدولة، في السياق المغربي، تمثله الممتلكات العقارية أوالأملاك الخاصة بالدولة مع ترسانة الأسئلة التي ترافق ذلك حول كيفية الحفاظ على هذا المخزون الهام، وتثمينه وما يتطلبه ذلك من افتحاصات متتالية ومستمرة، ولاسيما باعتباره جزءا من الهوية الثقافية للمجموعات الترابية العمومية، عرضة للتهديد المتغير والمتسمر،وبالتالي أحد عناصر العمل الذي يفرض على الدولة وجود وضوح في الرؤية..
والحديث عن مثالية الدولة في هذا الباب، يعني أن الريادة موجودة لدى الحكومة، وبالتالي عليها أن تجعل من ذلك ضمانة وتأمينا سياسيا وإداريا له، وللنموذج الذي تريد تقديمه..
وجميعنا على دراية بأن عقارات الدولة عنصر فاعل في أي سياسة.. وتقدم لنا تجارب دولية، ومنها تجارب مهمة كما في كندا مثلا، أدواره في إعداد التراب الوطني، والجبايات والتكوين المهني، والتربية والبنيات التحتية الكبرى والصغرى على حد سواء، ونحن في الوضع الوبائي الحالي نحتاجه، لتقاطع القطاعات كلها فيه، ويضاف إليها الوزارات التي «توجد على رأس الشبكات المؤسساتية، مثل الصحة والتعليم»..
ومن القضايا الاستعجالية التي تطرحها مثالية الدولة، إنشاء آلية للتتبع ،تدمج كل السطات التي يعنيها الموضوع من أجل الافتحاص والمراقبة والترشيد…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 01/10/2020