مجزرة جديدة على طريق الإبادة المعلنة..

عبد الحميد جماهري
وحده الفلسطيني، من يكون عليه أن يصير شهيدا قبل أن يكون طفلا، استشهاده يسبق طفولته.
وحده عليه أن يموت نازحا أو مقيما، مريضا أو مسافرا، خائفا أو شجاعا..عليه أن يموت كيفما اتفق.
وعليه بالضرورة أن يموت طفلا، فذلك أفضل لتل أبيب وللغرب الناعم المستلقي مثل نهر هادئ في صحف الإنسانية المعاصرة.
لعل الدولة التي يحلم بها آباؤه تموت في المهد، لعله لن يتعلم الحرية ..لعله عدو صغير سيكبر وتكبر معه معادلات الاستقلال… في بطن أمه الجريحة أو في مهده الصغير، الهارب من قصف سابق تتلقفه الطائرات وصواريخ جيش الاحتلال، وتسارع به إلى الشهادة، وهو لم يعرف بعد عدد أحرف الكلمة..ألف طفل تهديهم أسراب الطائرات إلى المقبرة، وفي سياق هجوم همجي غير مسبوق على العزل، وفي منتصف القتل، تطلق إسرائيل النار على النازحين في باحة مستشفى المعمداني بغزة، وعلى أطفال كانوا يجربون «سولفيج» السلام على غزة، وعلى المرضى والجرحى الذين قدموا إلى مستشفى المعمداني من هجمات أخرى…
لا يمكن للعالم الغربي أن يكون صلفا إلى هذه الدرجة، ومغرورا بحداثته إلى درجة أن تعمى بصيرته عن رؤية الحق وبصره عن رؤية المجزرة، وأن يبحث في الماضي القريب لضميره المثقل بالذنب عن تفسير دائم لمناصرة إسرائيل، وهو يرى أكثر منا كيف ما زال الإسرائيلي يتدثر في ما تركه «الهولوكست» في ضمير العالم من ندوب، وإن كان الإسرائيلي لا يحق له أن يرث المحرقة، فلأن الفلسطيني هو الأولى اليوم بعقدة الضمير الأوروبي. الباحث. بدوره عن مشروعية ما في الالتفاف حول تاريخ آبائه النازي في الحرب العالمية الثانية…
ولا بأس إذا كان الفلسطيني حطبا للمحارق العادية، ما دامت المحرقة الكبرى هي دليل الإسرائيلي الوحيد على ضمير عاطل في أوروبا السابقة…
أوروبا اليوم تعطل ضميرها، والعالم الغربي معها، بالرغم من الأطفال الذين يوضعون في أتون الحرب…
لقد انتقمت إسرائيل ما يكفي، وربما في سوق الدم المباح، وضعت السعر الذي تريد لجثة الفلسطيني، ألف جثة لكل إسرائيلي يموت، وكل يوم عند إسرائيل بألف قذيفة، وما كان يلزم مقاومة حماس في يوم، ضاعفته إسرائيل اثنتا عشرة مرة…
وعندما تقع الكارثة لا يجد رجل أمريكا الأول وعظيم الروم جو بايدن حرجا في أن ينسب الحريق إلى المقاومة…
فهل هناك من طريقة أفضل من تحميل الضحية جريرة موته لإنقاذ الضمير من صراخ الأطفال الموتى والشهداء؟
…
توجعنا الأرض..
تقرح ملتهب من جهة غزة…
الأرض هناك، يسارا قليلا جهة الكبد ويمينا قليلا جهة القلب
تقيَّحت…
الذين حررهم العدو من الحواس،
الموتى يحق لهم أن يسكنوها
الآخرون، أي ما يشبه الأحياء،
ومن لا يحمل البندقية
عليهم أن يحفروا قبرا
أو يحاولوا إذا الأرض لم تمِدْ تحت أقدامهم
ولم تسقط السماء،كِسْفا من الرصاص
وعليهم أن يطيروا…
أيها النازح
لا أرض لك لتقيم فوقها المناحة،
لا أرض لك لتقيمَ..
مثلك مثل ما علق بالرصيف من نعال وعلب كرتون وشالات ومناديل ورقية…
ما تحتها لك
وما بعده أيضا..
فاسْتمر إلى الأمام
ثم استمر إلى الأمام مجددا قد تجد قبرا يسعك مع العائلة… في الطابق الأرضي للأرض!
لا تهمك
نشرات الأخبار
يهم حدسك العربي، الذي ينجو من الموت..
=
تشاء إعادة التقويم التاريخي، أن يصبح 11 شتنبر الإسرائيلي
هو يوم السبت 7 أكتوبر، لضرورات التحالف كي يقترب الأمريكي من الإسرائيلي في تحميل الشرق المتدين عواقب الحرب عليه..
يوم السبت، وهناك ما يشبه المتن التلمودي في تفسير الحرب، السبت هو يوم استراح لله إلى الأبد، ولعل الفلسطيني لم يخطئ فقط بأن هاجم الدولة الهيكل…
لكنه ـ في ما يبدو ـ أقلق قيلولة لله في يوم راحته الأبدي…
تعلم الفلسطيني أنه، سبحانه وتعالى عما يصفون..
لا تأخذه سنة ولا نوم
لهذا أخطآ وأزعجه في سبته المستحق
بعد تعب الخلق!
كان قد مسه اللَّعب
ولم يسمح للأرض بالاستلقاء…
هل ذهب الله إلى قيلولته عندما أَسْبتَ نتانياهو؟
ربما ربما
مثلما مثلما…
لكن في الخارج كان الفلسطيني الطفل الدائم يلعب بالأسلحة…
لِذلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ” ـــ سفر الخروج
والعصيان عقوبته الموت في التوراة
والمقاومة تشكيك في ما يريده الرب!
==
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 19/10/2023