محمد السادس بقلم ساركوزي على فرنسا الآن أن تتخذ موقفا واضحا لفائدة مغربية الصحراء -2-

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لم يفلح الرئيس ماكرون دائما في إيجاد الكلمات أو الأفعال التي ينتظرها المغاربة منه، حيث أن مشاعره المنحازة للجزائر تمنيه بالعديد من الخيبات، وهذه ولا شك نقطة خلاف بيننا، وإني لأعتقد بأنه لا حاجة من مضاعفة المبادرات لدى القادة الجزائريين، والذين تشكو تمثيليتهم داخل بلادهم من الضعف نفسه الذي تشكو منه شعبيتهم، وكلما حاولنا بناء صداقة « اصطناعية» ( مفتعلة) كلما رفضوها، وهم محتاجون لخصم من أجل تحويل انتباه شعبهم عن الفشل الذريع الذي ألقوا فيه هذه البلاد الرائعة، والتي تعد من بين الأغنى في العالم، بفضل باطن ترابها الغني بالمواد الأولية، لاسيما في السياق الاستثنائي الذي نعاينه! هذه المبادرات والتي يمكنني فهم أسبابها والمنطلقة من عاطفة نبيلة، منذورة للفشل في نظري، علاوة على أنها يمكن أن تبعدنا عن المغرب، وهذا الأخير متألم من جاره الذي أغلق الحدود في وجهه منذ 32 سنة! ويمكن أن نفقد كل شيء بهذا النوع من اللعب، بمعنى أننا لن نربح ثقة الجزائر ونخسر ثقة المغرب، وهي مراهنة خطيرة، ومحكوم عليها مسبقا!
توجد إقامة الملك في مراكش في «البالموريpalmeraie»، وهي عبارة عن ضيعة واسعة من عشرات الهكتارات زرعت فيها أشجار الليمون والبرتقال والزيتون الكثيفة وحدها، والنشاط الفلاحي فيها مكثف باحترافية تثير إعجاب الزوار القلائل الذين يزورونها، وقد كان والد الملك الحالي هو من بنى هذا القصر حيث كل شيء منظم ومختار من طرف محمد السادس نفسه، فهو عارف جيد بالفن التشكيلي في القرن العشرين، كما تنم مقتنياته عن ذوق رفيع واحترافي، وهو من أدخلني عالم الفن الإفريقي المعاصر، وهو فن لا يعمر أكثر من عقود من الزمن لكنه بدأ يلج الدائرة المغلقة لأسواق الفن والدور الراقية التي تنظم مزايدات البيع الدولية الأكثر شهرة.
من القصر، يبدو منظر الأطلس مكللا بالثلوج جليلا ومذهلا، وفي مرفأ السلام هذا قضينا أسبوعا، وطوال مقامنا كان الملك يدعونا للعشاء في إقامته بالمدينة، حيث كان يفضل دوما ضجيج المدينة على صمت الواحات، كان مرفوقا بزوجته، قضينا أمسية رائعة بدون بروتوكول ولا تصنع، وكان واضحا أن مضيفنا كان سعيدا بوجودنا، أكثر ما يهمه هو أن نجد راحتنا، وقد حدثني مطولا عن إرادته دمقرطة المغرب وتحديثه، وقتها كان حاضرا لديه إصلاح الدستور الذي سيتيح للمغرب أن يكون من بين كل الدول العربية، البلد الوحيد الذي لم يعرف مخاطر «الربيع»، كما أن رؤيته في تدبير الإخوان المسلمين جريئة واستباقية: «إذا فازوا بالانتخابات التشريعية سأعين واحدا منهم وزيرا أول، من الأفضل أن يواجهوا حقائق السلطة على أن نجعل منهم ضحايا بإيداعهم السجن»، قال لي. لم أصدق ما أسمع بيد أن ذلك هو ما قام به، وبعد بضع سنوات حصد الإخوان المسلمون أقل من 10 ٪ من أصوات المغاربة! وهكذا نجح الرهان الملكي، وقد كان الوحيد (الملك) الذي تصرف على هذا النحو، وقد بينت الوقائع أن الحق معه.
لا نقدر في فرنسا حق قدره الحظ الذي يملكه المغرب بأن يكون له محمد السادس ملكا، فهو سور في وجه التطرف والتعصب، وهو واحد من قلة من القادة المسلمين الصادقين في التزامهم بالمعركة من أجل تنمية حياة ديموقراطية حقيقية في بلاده، وإنه لمن واجبنا كما من مصلحتنا أن نقدم له المزيد من المساعدات، ذلك لأنه، وهذه صعوبة إضافية، لا يملك الثروات من المواد الأولية التي لدى جاره الجزائري. على فرنسا الآن أن تتخذ موقفا واضحا لفائدة مغربية الصحراء الغربية، فهذه القضية مركزية بالنسبة للمصالح الاستراتيجية للمغرب، وهي تسمح بتجنب جمهورية صحراوية تجعل صلابتها واستمرارها كل المتتبعين المطلعين أكثر من متشوشين! إن معرفة اختيار الأصدقاء وعدم الخوف من إغضاب من هم أقل صداقة، والتحرك ضمن أفق طويل المدى، والاستناد إلى التاريخ المشترك، هي ذي البوصلات التي يجب أن تكون لدى رئيس الجمهورية، وإذا كان هناك مجال تستحق فيه الديبلوماسية الفرنسية أن يعاد فيه النظر فهو ولا شك مجال التزامنا لدى أشقائنا المغاربة.
لقد كانت أيام عطلتنا قصيرة لكنها كانت سعيدة، كانت الحرارة خلالها مثالية وقت النهار حيث شمس مراكش تسود وحدها، قبل أن تصير حرارة منعشة في الليل، مما يتيح نوما هنيئا. هذه العطلة خصصتها للقراءات والرياضة والأفلام والدردشات العائلية، وقد شعرت بعودة قواي من جديد يوما عن يوم…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/08/2023