مدريد والرباط: ولادة جديدة لتعاون قديم!

عبد الحميد جماهري
تبدأ مسافة الألف ميل الجديدة بين المغرب وإسبانيا، بخطوة الزيارة التي يقوم بها وزير خارجية إسبانيا »خوصي مانويل ألباريس «إلى الرباط يومه الجمعة.
والزيارة في المحصلة الأولى هي ثمرة الموقف الداعم بوضوح للحكم الذاتي، الذي أنهى الأزمة السابقة بسبب الغموض والارتباك الجيواستراتيجي للإسبانيين إزاء القضية الوطنية..
1ـ سيكون على الزيارة ترصيد المناخ الجديد بين ضفتي المتوسط، ووضع الطريق نحو المرحلة الجديدة التي أعلنتها قيادة البلدين.
وتكون التمهيد العملي للخطوة الثانية المنتظرة، التي ستجسِّدها زيارة رئيس الحكومة »بيدرو سانشيز«، وانعقاد اللجنة العليا المشتركة. في الأسابيع القادمة..(ربما شهر ماي القادم )..
في انتظار ذلك، تضع الزيارة الخاتم الرسمي على نهاية الأزمة الديبلوماسية التي هزت الثقة بين البلدين، وتعد الانطلاقة لعودة المياه إلى مجاريها بأفق جديد وعلى قاعدة مؤشرات جديدة في بناء الثقة.
لقد تحدثت الديبلوماسية الإسبانية بدقة وبإسهاب، في نفس الوقت، عن المرحلة الجديدة التي يدشنها عمليا ألباريس، بعد الرسالة التاريخية لـ»سانشيز«، ثم بعد أن دافع باستماتة أمام مجلس النواب في بلاده عن الخط السياسي الجديد، وعن البعد الاستراتيجي والتاريخي لهذا المنعطف في الغرب المتوسطي وبين البلدين.
2ـ والزيارة ذات العلاقة بالشؤون الخارجية، تأتي في وقت تربط فيه مدريد بين الدفاع عن سياستها إزاء النزاع المفتعل في الصحراء، واعتبارها »ضرورة من أجل علاقة أكثر صلابة مع المغرب، الشريك التجاري الرئيسي والحليف الاستراتيجي« في قضايا الأمن ومكافحة الهجرة غير النظامية، والإرهاب.
بالنسبة لإيمانويل ألباريس، سيرتبط اسمه بكونه الوزير، الذي خلف صاحبة المشكلة »ارانتشا غونزاليس لايا«، التي يقترن اسمها بالمسؤولية في القطيعة بين مدريد والرباط..
والزيارة لرجل ديبلوماسي التزم شخصيا بالدفاع عن الموقف الجديد، حيث أكد »أن إسبانيا تريد من خلال دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي، المشاركة بفعالية في تسوية النزاع حول الصحراء«.
وأوضح أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، أن »إسبانيا لزمت دور المتفرج في هذا النزاع لمدة طويلة جدا. اليوم، أمامها إمكانية المشاركة بفعالية في حله عبر اتخاذ هذا الموقف…
3ـ ينتظر المغرب، في هذه الزيارة، مقدمات المرحلة غير المسبوقة المبنية على »الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات«..كما ورد في خطاب جلالة الملك في خطاب 20 غشت الماضي..
وهي العبارات التي استوحاها بيدرو سانشيز، واستند عليها في إبراز تجاوبه العميق مع إرادة ملك البلاد والإعلان عنها في الرسالة التاريخية.. الزيارة لا تعني العودة إلى الوضع القائم السابق عن الأزمة، أبدا، بل يراد لها من الضفتين أن تكون العتبة الأولى في »علاقات تاريخية أصلب من تلك التي ظلت تطبع الديبلوماسية بين البلدين«..
4ـ الزيارة تدخل في نطاق دينامية ديبلوماسية متواترة عرفتها الرباط، ومنها وآخرها زيارة مسؤول الخارجية الأمريكية »انطوني بلينكن«، الذي زار المغرب، والجزائر، كما تأتي بعد الزيارة التي أجرتها »ويندي شيرمان« لإسبانيا قبل زيارة المغرب في بداية شهر مارس.. والتي سبقت الإعلان الإسباني في الرسالة المشهورة..
بلينكن اختتمها بإعلان واضح بدعم »الريادة الاقتصادية للمغرب إفريقيا«..وتحدث في تغريدته عن »دعم إضافي للمبادرات المغربية« !
وهو أمر لم تغب إشارته عن الإعلام الإسباني الذي عممها، كما أنه لن تخفى حكمته على مدريد الآن، وفي سياق ما بعد كوفيد 19 والبحث عن إقلاع اقتصادي شامل وفي خضم الحرب الحالية في أوكرانيا، وما فرضته من ظروف صعبة على مدريد المتضررة طاقيا من تطوراتها..
5ـ المهم في آثار الزيارة الأمريكية أن إسبانيا تنتقل من »براديغم« إلى آخر: فقد كانت تعتبر في السابق الموقف الأمريكي تقوية للمغرب على حسابها، عسكريا وجيوـ استراتيجيا واقتصاديا، واليوم مع المرحلة الجديدة تغير المنطق إلى الشراكة الثنائية في الاستفادة من المرحلة الجديدة، والاستفادة من الأمن والاستقرار والرفاه..عوض التنافس المبني على التوتر والحسابات الخاطئة.
6ـ إسبانيا في طور الإعداد لقمة »الناتو«، حول الاستراتيجية الجديدة، التي تسمى قمة مدريد 2022، حول المفاهيم الجديدة للدفاع والجيوـ استراتيجية، والمغرب شريك خاص ومتميز مع حلف الأطلسي، وفي استراتيجية دفاعه، ولا يمكن أن تدخل إسبانيا إلى القمة المنتظرة في يونيو القادم بدون أن تتحدد طبيعة العلاقة الحالية والمستقبلية مع جارها الجنوبي..
كما أنها معنية بالمؤتمر الذي يحتضنه المغرب في ماي القادم حول التحالف الدولي لمحاربة داعش، خاصة و أن المراحل السابقة عرفت تعاونا كبيرا بين جهازي المخابرات المغربي والإسباني، في مواجهة الإرهاب و داعش. وهو الذي »وصل إلى مستوى غير مسبوق«.
كما أن الولايات المتحدة تعمل بشكل موصول على إثارة التعاون بينهما، كما اتضح ذلك من خلال التركيز على الأمن والاستقرار في زيارة بلينكن.
الولايات المتحدة تشجع حتى التعاون الاستخباراتي ولم يعد سرا أن واشنطن تعمل من أجل تعاون أمني أوثق بين المغرب وجميع الحلفاء الأوروبيين..
والواضح أن أجندة التعاون أوسع من السابق، وهو ما يجعل المرحلة الحالية ولادة جديدة لتعاون قديم ..
وكما أن للزيارة آثارا بعيدة ومتوسطة المدى، فإن لها أيضا أجندة قريبة المدى ذات الصلة بموعد استئناف الرحلات البحرية بين المغرب وإسبانيا، والمعول عليها كثيرا في تجاوز الأضرار الاقتصادية التي خلفها التوقيف، والتدبير المشترك للعودة المرتقبة في الصيف القادم للمهاجرين المغاربة من كل أوروبا…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 01/04/2022