مدير ديوان الجنرال بتشين يصدر كتابا عن «مافيا الجنرالات» في الجزائر… : الهاربون من الجيش الفرنسي ينقذون هواري بومدين

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
هشام عبود لا يتردد في تسمية الجنرالات الحاكمين بأسماء المافيا، لينتقل بعد ذلك إلى تتبع مساراتهم، كما يليق بضابط بالمخابرات العسكرية أو صحافي متمكن..
هكذا يبدأ في توصيفهم، «أعضاء هذا الجناح المافيوزي، وعددهم 11 عنصرا، كلهم ينحدرون من الوسط نفسه، وسط الجيش، وباستثناء اثنين، هما توفيق وإسماعيل عماري، كلهم من المنشقين عن الجيش الفرنسي الاستعماري، التحقوا بحرب التحرير ما بين 1958 و1962. يعرفون بعضهم البعض منذ أن كانوا مجرد أطفال في مدرسة الجيش الفرنسي، في سن12، كلهم أبناء متقاعدين في الجيش الفرنسي أو أبناء قياد، وهذا الماضي المشترك نسج بينهم علاقات متينة وتضامنا لا غبار عليه، وبعضهم من أمثال خالد نزار وعبد المالك كنايزية والعربي بلخير لا يخفون ذلك، … وقد التحقوا كلهم بجيش التحرير الوطني باتباع نفس السبيل، كلهم سلموا أنفسهم في نفس الفترة، إلى قاعدة جيش التحرير في تونس، قبل نقلهم إلى مركز الملاك على الحدود التونسية الجزائرية..أو بالالتحاق بالمغرب، كما فعل ذلك، قبل إعلان الاستقلال، كل من محمد العماري ومحمد تواتي…».
طبعا هؤلاء الملتحقون لم يكونوا محط ثقة من لدن المحاربين وظلت التهم تطاردهم حتى بعد التحاقهم..ولا أحد منهم قاتل في صفوف الجيش ضد القوات الفرنسية.. ويضيف عبود بأن هؤلاء «كان هدفهم هو الاستيلاء على زمام الأمور في قيادة جيش التحرير الوطني عند الاستقلال، باستغلال الخلافات بين الحكومة المؤقتة وقيادة الجيش».
وحسب الكاتب فهذه الرغبة أو الطموح، بالأحرى، أعلن عن نفسه في وقت مبكر… خلال اجتماع عقد في 1959 ضم ضباطا من جيش التحرير الوطني ومجموعة من المنشقين عن الجيش الاستعماري، ضمنهم العربي بلخير وعبد المالك كنايزية… اللذان يعتبران من الأكثر نفوذا في وسط الجيش.. وقد كان جدول الأعمال يتضمن توزيع المهام بين الضباط الذين تلقوا تكوينهم في مدارس الجيش الفرنسي والضباط الذين تدربوا في جبهات القتال والمدارس العسكرية العربية، …اللقاء فشل، لأن الحاضرين «أخبروا العربي بلخير أن الرجال الصادقين لا يعرفون حتى إن كانوا سيظلون على قيد الحياة إبان الاستقلال»..
غير أن ذلك لم يثنهم عن هدفهم، في ما يبدو من صفحات الكتاب، إذ يقول هشام عبود إنه بعد مرور «28 سنة على استقلال الجزائر، صارت القيادة العليا للجيش كلها تحت إمرتهم، كما هو الأمر بالنسبة للسلطة السياسية»..
ظاهريا كان ضباط الجيش الوطني الحقيقيون يتولون المناصب المهمة، من قبيل قيادات الجهات العسكرية، القطاعات العسكرية ووحدات القتال، لكن في كل منطقة كان معهم منشق عن الجيش الفرنسي يتولى القيادة العليا، وكان اللوجيستيك، الذي يعتبر أهم شيء في أي تحرك، بين الأيادي الأمينة التي يسهر أصحابها على الطاعة العمياء من أجل غض الطرف عن ماضيهم.
وكمثال على ذلك، يعطي الكاتب مثال التمرد الذي قاده الشاب الكولونيل شعباني في 1964، والمحاولة الانقلابية التي قادها الكولونيل الطاهر الزبيري في 1967، عندما أراد الاحتجاج ضد الحضور القوي «للهاربين» من الجيش الفرنسي في مناصب المسؤولية، …وقد تم توقيف قواته من طرف مسؤولين عسكريين من أمثال بوتلة وزرغيني وبزادة والميدوني، المعروفين كضباط فرنسيين سابقين..
ويكشف الكاتب عن فصل غير معروف كثيرا في ما يتعلق بتولي هواري بومدين الرئاسة في الجزائر، «إنهم الهاربون من الجيش الفرنسي من أنقذ هواري بومدين..رئيس مجلس الثورة، الهيئة العليا التي تم تنصيبها بعيد الانقلاب العسكري، يوم 19 يونيو 1965 والذي أطاح بأحمد بن بلة»…
وقد ظل الرئيس القوي مدينا لهم طوال الحياة، ويكشف الكاتب مجددا عنوانا آخر لهذا الاعتراف عندما كتب: عندما جمع الرئيس مجموع الضباط في نادي الصنوبر، في بداية 1968، وضع حدا لاستهداف «الهاربين»، وبنبرة جافة أطلق تحذيرا جديا لقدماء جيش التحرير الوطني: «من الآن فصاعدا، كل من تجرأ على الحديث عن قدماء الجيش الفرنسي.. نديرلو حجرة في فمو…»، وهو ما يعني، بالنسبة لمن ولدوا في الشرق الجزائري، تهديدا صريحا بالقتل!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/04/2018