مدير ديوان الجنرال بتشين يصدر كتابا عن «مافيا الجنرالات» في الجزائر…

عبد الحميد جماهري

مافيا الجنرالات، كتاب للصحافي والـضابط العسكري الجزائري، هشام عبود يستحق القراءة، كما يستحق أن يكون في أرشيف الإعلاميين والسياسيين المغاربة، المهتمين أو المتابعين للوضع الجزائري….
من الوهلة الأولى، يعطي الكاتب نكهته القوية، من خلال الإهداء..الإهداء، إلى روح والدي« الذي لم يكن بمقدوري تشييعه إلى قبره، لأنه ممنوع علي دخول بلادي، »كما يقول،
وإلى أمي، «التي تعاني في صمت لمنفاي»..
إلى الصحافيين الذين دفعوا أرواحهم ثمنا لحرية التعبير
إلى روح كل الضباط وضباط الصف وجنود الجيش الوطني الذين يضعون الجزائر فوق مصالحهم الخاصة..»
هذا الإهداء، قد يحتفظ به القارئ، كتلخيص عن الكتاب، كما قد يحتفظ به كتعريف تلميحي يسبق التفاصيل، لكنه يضعنا منذ الوهلة الأولى في تقاطع المعاناة الشخصية، مع معاناة بلاد بكاملها..يحكمها« جنرالات المافيا» الجزائرية، كما يقول الكاتب..
لهذا فهو ينبه منذ الأسطر الأولى، بعد الإهداء، إلى أنه لا يهاجم الجيش بل يهاجم مافيا الجنرالات، التي «ترفع تهديد جبهة الإنقاذ الإسلامية» وعودتها كلما أرادت أن تهدد بوجود مؤامرة ضد الجزائر..
الكتاب، والكاتب معا، يفصلان بين الشرف العسكري لمن يستحقه وبين الجنرالات المتهمين:
يقول هشام عبود:» أتهم هؤلاء الجنرالات بقتل شخص الرئيس محمد بوضياف..
وأتهمهم بمقتل شخص الكولونيل قاصدي مرباح..
أتهمهم بأنهم فبركوا فصيل الجماعات الإسلامية المسلحة، التي تعاقب على قيادتها كل من سايح عطية، جمال الزيتوني، شريف غوسمي، من أجل إغراق الجزائر في حمام دم، عن قصد وترصد..
أتهمهم بأنهم حولوا بلدا غنيا إلى فقر مدقع في حين راكموا الثروات الضخمة..».
هذه الاتهامات قد نكون أو يكون من تابع تفاصيل الحياة السياسية والعسكرية الجزائرية على اطلاع عليها بهذا القدر أو ذاك، غير أن الكاتب ليس أيا كان، كما يتضح من خلال سيرته المهنية والحياتية..
فقد كان، في فترة التسعينيات، إلى حدود أكتوبر 1990، مدير ديوان الجنرال محمد بتشين، مدير «الإدارة العامة للتوثيق والأمن،» عندما استقال هذا الأخير، ليخلفه على رأس الجهاز الاستخباراتي الأكثر نفوذا وقوة، الكولونيل محمد مدين المعروف باسم توفيق..
والكاتب يقدم لنا طعما خاصا للكتاب منذ الأوراق الأولى عندما تتوالى أسماء مهمة، من قبيل الجنرال العربي بلخير، الذي شغل مدير ديوان رئيس الجمهورية الجزائرية – سفير الجزائر في المغرب في فترة ما- ثم الرئيس نفسه، وهكذا.
هشام عبود هو أيضا، في لحظة من لحظات الأمن المغاربية، الأمين العام للمجلس المغاربي للأمن، وبهذه الصفة حضر إلى جانب الجنرال بتشين، الاجتماع الذي احتضنته الجزائر العاصمة في يونيو 1990، والذي تناول فيه المد الجهادي، ومسؤوليات الدول فيه….
ومن مسلمات الكتاب الذي سنعرض له في حلقات، تبدو ضرورية لفهم دواليب القرار وتطورات المؤسسة الأكثر إثارة للتساؤل في النظام الجزائري، أن هذا التيار الجهادي الإرهابي، «ولد من رحم هذا النظام الوحشي، الذي يتولاه معسكر الجنرالات المافيوزيين، ذلك لأن تاريخ الأصولية القاتلة في الجزائر مرتبط ارتباطا قويا بوجود هذا المعسكر»..
لماذا الكتاب، هنا والآن؟
ولماذا كان مخصصا حصريا لمجموعة من الجنرالات في الجيش الجزائري، هل يتعلق الأمر بتصفية حسابات ؟ هل الكاتب مسخر من طرف فصيل من فصائل الصراع بين المعسكرات والأجنحة وسط الجيش أو جهة من جهات الاستخبارات ؟
جواب الكاتب”ما أضع اليوم بين يدي القراء، ليست مذكرات ضابط سابق في الجيش الجزائري، بل هو ثمرة تحريات صحفية، وقد كتبت هذا الكتاب من أجل تقديم شهادة موضوعية وبلا مجاملة حول عملية السطو التي تتعرض لها الجزائر منذ عشرين عاما، وقد شرعت فيه منذ بداية منفاي القسري في 1977، لكني لم أكن استعجل نشره، لأني أردت الاشتغال بعيدا عن أي ضغينة.”»
يريد الضابط أن يسلم القلم للصحافي، مع الاحتفاظ بنفسه كمصدر للخبر أيضا، إضافة إلى الشهادة الشخصية، التي راكمها خلال مهامه في الجيش والصحافة، هناك معطيات ومعلومات استقاها من مصادر جديرة بالثقة، من قبيل ضباط سامين ما زالوا في الخدمة أو تقاعدوا، وزراء وأطر في الدولة »الذين، وبالرغم من المنفى والإبعاد، حافظوا على التواصل معه لمده بأخبار طازجة عن كواليس السلطة، مع إبداء ثقة تامة…»….
يستبق الكاتب أي اتهام له بالتعاون مع جهات خارجية أو قوة أجنبية تسعى إلى تلطيخ سمعة جنرالات الجزائر وينبه إلى أنه «”لا يمكن اتهامي بخدمة مصالح أي قوة أجنبية، ولاسيما فرنسا، لأنني لا أكتفي بإدانة وفضح قدماء ضباط الصف من أبنائها والذين صادروا استقلال الجزائر، بل أفضح أي تواطؤ للأجهزة الفرنسية التي طالما استفادوا منها»”.
وهو يسرد في ذلك حالات مثيرة للغاية، منها مؤامرة «منتمورسي» ضد الرئيس السابق الفقيد أحمد بنبلة، عندما تم دس أسلحة في إقامته من طرف عملاء “الديستي” الفرنسية، من أجل دعوته إلى مغادرة التراب الفرنسي، بدعوى أنه أخلف الالتزام المفروض عليه كلاجئ سياسي …أو المساعدة التي قدمتها مصالح الاستخبارات الفرنسية لقاتل علي مسيلي (رفيق حسين أيت أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية)، المدعو عبد المالك املو) لكي يغادر التراب الفرنسي..إلى الجزائر.
(يتبع)

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 02/04/2018