مرة أخرى: لماذا لا، خلية أزما..ء!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
أحيانا نتمنى أن يشبه المسؤولون الحكوميون عندنا بعض المسؤولين في دول مجاورة، حتى ولو كان الموضوع هو التشاؤم، والأرقام المثيرة للقلق، وهذا الحرص ، موضوعه الماء في الفترة التي يلح الجميع على أنه العملية الأكثر تأثيرا في البشرية في هذا الهزيع الأول من القرن الواحد والعشرين والنصف الأول من الاحتباس الحراري.
المناسبة، هو أنني تمنيت لو أن السيدة المكلفة بالانتقال الطاقي، (هي مرة أخرى) وجدت العبارات التي وجدتها، في إسبانيا وزيرة الانتقال في مجال البيئة تيريسا ريبيرا مؤخرا بأن “علينا أن نكون في غاية الحذر والمسؤولية بدلا من أن نغمض عيوننا” متوقعة “فترات من التوتر الشديد”.
هذه المقارنة الخارجة عن إرادتنا، كما نقول في البث الإعلامي عادة، لها مقوماتها التي تجعلنا بالفعل أكثر استشعارا أو على الأقل أقرب استشعارا من جارتنا الشمالية في قصة الماء والجفاف والقادم من الأيام…
لدينا كل أسباب التواصل التي تفجر اللغة وتدعو إلى بساطة ممتنعة في توصيف الحال.
فهذا بنك المغرب قد دعا إلى »تسريع الإصلاحات وتأسيس صندوق استثمار حكومي، بينما يواجه الاقتصاد المتباطئ (لهذا البلد الجميل) احتمال جفاف مدمر»، وفق ما أوردته وكالة بلومبيرغ الأمريكية.
أما في إسبانيا فقد رفعوا السقف عاليا وصاروا يتساءلون عم إذا كانت
أزمة شح الأمطار ستنتهي إلى حرب على المياه؟
وفي ظل موجة جفاف تاريخية، »تتساءل إسبانيا حول مستقبل مواردها المائية التي يخصص قسم كبير منها لري الأراضي الزراعية في حين يهدد التصحر 75% من البلاد«.
ونحن لا نعرف بالضبط مقدار التصحر الذي طال أراضينا الزراعية، والتنكيل الذي أحدثه التوسع العمراني العشوائي المتوحش، كما لا تخبرنا الأرقام التي ترد في البلاغات الحكومية، مقدار التراجع الذي يهددنا بالعطش…
وحتى القرارات الصادرة عن السلطات الوصية في المجال الترابي، يختلف المسؤولون في تنزيلها على رؤوس الناس …
وكما قالت الإسبانية خوليا مارتينيث “ثمة قرارات لا يريد أحد اتخاذها، لكن لا يمكننا مواصلة هذا الهروب إلى الأمام”.
وقد شهدت شبه الجزيرة الإيبيرية على غرار فرنسا وإيطاليا في الأشهر الأخيرة موجات حر شديد بعد فصل شتاء على قدر غير اعتيادي من الجفاف.
وفي فرنسا أيضا كانت الحكومة قد اتخذت خطوة ذات مغزى تعبوي وجماعي،
في بداية الأسبوع الذي نودعه، حيث تم تشكيل خلية وزارية لمتابعة المشكلة المائية، وهي خلية أزمة وليست خلية مؤسساتية بيروقراطية باردة مثل مياه نادرة، تضم في عضويتها مسؤولين من وزارة الانتقال الطاقي، الفلاحة،النقل، الصحة والداخلية ووزارة الاقتصاد والحسابات العمومية، الوقاية المدنية والأمن الوطني، مندوبية الغابات والمياه… لدفع السلطات إلى اتخاذ تدابير عاجلة للحد من استهلاك المياه، لاسيما وأن الوضع يزداد خطورة« إذ يندرج ضمن اتجاه عام متعلق بالاحتباس الحراري.
وإسبانيا في حالة تدبير أزمة الماء قد تعتبر قريبة لنا، باعتبارها تعاني مثلنا من إجبارية »التكيف مع أمطار غير منتظمة»، وهي بدورها «أقامت خلال القرن العشرين 1200 سد كبير، ما يمثل رقما قياسيا في أوروبا بالنسبة إلى عدد السكان«، الشيء الذي “سمح لإسبانيا بزيادة مساحة الأراضي المروية من 900 ألف هكتار إلى ثلاثة ملايين و400 ألف هكتار”، لكن هذا النجاح كله لم يدفع السلطات إلى لغة «زُلاليةٍ لا تساير المناخ الحالي بل صار النموذج عرضة للانتقاد والمراجعة، ومنها مراجعات قريبة منا في مجال السياحة والفلاحة…
«مع إقامة بنى تحتية مستهلكة للمياه مثل ملاعب الغولف وأحواض السباحة، إنما كذلك الزراعة المكثفة التي تمتص أكثر من 80 % من الموارد المائية لري مزروعات غير ملائمة إطلاقا في بعض الأحيان للطقس الجاف، مثل الفراولة والأفوكادو، وموجهة إلى السوق الأوروبية»…
هذا الإسهاب في المقارنة ليس فيه، ولله أشهد، أي انبهار يريد اللمز والغمز لحكومتنا الموقرة بل هو التذكير، باعتزاز منقطع النظير، بما سبقنا إليه، مقارنة بهذه الدول، في مجال لا يقل خطورة هو مجال تدبير المياه والحرب الدائرة في أوروبا.
لقد توفرت الإرادة، والمبادرة والتقدير الشفاف لخطورة الوضع، وتم وضع لجنة علمية لها صلاحيات واسعة في الاقتراح والمبادرة، ساعدت على القرار السياسي الحكيم والناجح..
لماذا لا نقوم بنفس الشيء مرة أخرى أمام شبح تتصاعد تهديداته في كل مناحي المغرب ونواحيه…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/08/2022