مشاورات مجلس الأمن حول الصحراء : جلسة مغلقة…. بأفق مفتوح؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 

عقد مجلس الأمن الأممي جلسة مغلقة حول الصحراء المغربية يوم 13 أكتوبر الجاري، في أفق الإعداد لجلسة السابع والعشرين منه، قصد التصويت على قرار يخص بعثة المينورسو.
وإذا لم يكن قد صدر أي شيء رسمي عن الاجتماع، فقد تفاعلت كل الأطراف المعنية بالملف، مع هذه الجلسة، من زاوية ما تريد من مجلس الأمن ومن الأمم المتحدة.
وأول شيء يجدر أن يستحضره الرأي العام المغربي أن العديد من الدول، التي تشغل حاليا عضوية غير دائمة في مجلس الأمن، تنتصر لأطروحة خصوم المغرب، ومن هذه الدول كينيا، وفييتنام والمكسيك، اللتان تقيمان علاقات ديبلوماسية مع دولة الوهم في تندوف، إضافة إلى النرويج التي تتحرك ضمن الدول الإسكندنافية، وهي دائرة تقع تحت تأثير السويد، النشيطة في دعم الانفصاليين.
الأمر الثاني هو أن الاجتماع يتزامن مع تعيين مبعوث أممي جديد هو الإيطالي السويدي ستافان دي ميستورا، الذي سيتسلم مهامه في الأول من نوفمبر القادم.
وقد جاء التعيين بعد سنتين تقريبا من شغر المنصب، بعد استقالة الألماني هورست كولر في ماي 2019.
ويعني التعيين الجديد الشروع في الحديث عن استئناف المفاوضات السياسية من حيث انتهت مع كولر.
ويمكن أن نخمن أن الجلسة تناولت هذا الموضوع باعتباره المستجد الإيجابي في سياق متوتر، في غرب المتوسط وفي شمال إفريقيا، منذ تطهير الكركرات، والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء..
ولن يفوت مجلس الأمن أن يسجل تفاؤله إزاء استئناف المسلسل السياسي إثر تعيين المبعوث الشخصي الجديد كما أن أعضاهء «سيدعون المبعوث الشخصي الجديد إلى استئناف المسلسل السياسي في أقرب الآجال الممكنة من حيث انتهى سلفه».
فهذا هو منطق الأشياء، ولن يعيد الكرة من الصفر، كما قد يدعوه إلى ذلك أنصار الانفصال والنزاع.
هذا هو مسعى الجزائر وبطوشها المدلل…
ففي أول خروج له بعد فضيحة تهريبه سرا إلى إسبانيا، وما تسبب فيه من أمواج ديبلوماسية عاتية، عقد رئيس الجبهة، عبد العزيز بن بطوش ندوة صحافية يوم السبت أراد من خلالها سرد إملاءاته على مجلس الأمن، وعلى المبعوث الجديد وتحديد مهامه قبل بدايتها.
ونقلت وكالة فرانس بريس (الوكالة شبه الرسمية الثانية للبوليزاريو)، هذا اللقاء الذي حضره صحافيون صحراويون وإسبان فقط!
ويبدو أنه كان يجيب على ما توصل به من معلومات قد يكون سربها مصدر إفريقي أو مكسيكي، عن اتجاه المشاورات.
فهو يريد من المبعوث الخاص أن يقوم بما لم يستطع أنصاره فرضه على المغرب، أي:
– تحديد جدول زمني لمهمة المبعوث الأممي الجديد وتقديم ضمانات من أجل تنظيم استفتاء تقرير المصير، مهما كان يعرف بأن الاستفتاء تم إقباره وأصبح من متلاشيات الحل الجيواستراتيجي في المنطق.
– جدول زمني لعملية التطبيق وضمانات قوية من قبل مجلس الأمن من أجل الانخراط في العملية….
– مواصلة الحديث عن مواجهات وحروب ضارية في الصحراء وفي المنظومة الدفاعية الحدودية، والتي وصلت بلاغاتها عددا سرياليا( 339 بلاغا!)، لم تبلغه ربما الحروب الدائرة في النصف الثاني من القرن العشرين!
وهو مسعى يريد أن يدوم الوضع متدهورا وغير متحكم فيه، وأن الجبهة قادرة على تأزيمه وفرض توازن من جهتها يفرض على العالم أخذ إعلاناتها مأخذ الجد!
– البوليساريو كان موضوع إدانة أممية بخصوص تسليح منطقة الكركرات حيث أشار التقرير إلى «أنه في الفترة من 22 إلى 29 أكتوبر، لاحظ استطلاع بطائرة هليكوبتر تابعة للبعثة فوق منطقة الكركرات وجود ما يصل إلى 12 فردا مسلحا من جبهة البوليساريو يرتدون الزي العسكري في القطاع العازل وما يصل إلى ثماني مركبات خفيفة من الطراز العسكري، اثنتان منهم تحملان أسلحة ثقيلة».
– التقرير أخذ علما بما قدمه الجيش المغربي من معطيات تهم التحرشات المجانية للانفصال، حيث قال التقرير إن الفترة ما بين 13 نوفمبر 2020 و 31 غشت 2021، عرفت «1099 حادثة إطلاق نار من مسافة (من بعيد) على وحداته في أو بالقرب من الستار الترابي، تركز 83 % منها في المحبس، وقال التقرير إنه أبلغ بعثة الأمم المتحدة بوجود 22 «محاولة تسلل» في الجدار الرملي و724 رحلة استطلاعية بواسطة طائرات بدون طيار تديرها جبهة البوليساريو، أبلغ عن 88 % منها في منطقتي المحبس وأوسرد»، بدون أن يعني ذلك أن منطقا حربيا ساد في المنطقة!
– البوليساريو كان موضع نقد حاد في التقرير الذي تقدم به الأمين العام غوتيريس، لا سيما في ما يتعلق بعرقلة مهام المينورسو، وهي موضوع الحديث الأممي ، ولا سيما في المنطقة الشرقية من منظومة الدفاع، والتي كانت موضوع فقرات واضحة في التقرير الأممي…
في الطرف الجزائري، لا شك أن التوتر الذي تدفع به الجزائر سيكون حاضرا في الجلسة، على الأقل لاعتبارين اثنين:
– أولا، إقرار الجزائر كطرف رئيسي في كل محادثات تهم الوضع النهائي.
– ثانيا، كون الجزائر هي الحاضن الرسمي والكفيل الجيواستراتيجي للانفصاليين وهي عاصمة الانفصال.
ولعل الجزائر، التي تتوقع إعادة تركيز مجلس الأمن على شراكتها في الحل ومسؤوليتها في الأزمة، تريد أن تدفع بالتوتر، بعد قطع العلاقات والتمرينات الحربية وإغلاق الأجواء وتوزيع الاتهام يمينا ويسارا، لتلقى وضعا يسمح لها بالإعلان عن مقاطعتها للجلسات التشاورية حول الصحراء.
فهي تلتقي مع البوليزاريو في نفس الأسلوب وفي نفس الرسالة : الحرب على الأبواب، ولا معادل لها سوى العودة إلى نقطة الصفر، والشروع في مفاوضات الاستفتاء…
– الجزائر طالبت بانسحاب المغرب من الكركرات، وهو الطلب الذي تم الرد عليه عبر تقرير الأمين العام، والذي استشهد برسالة لملك البلاد يعبر فيها عن «قرار لا رجعة فيه»!

‬البوليزاريو‭ ‬أعلنت،‭ ‬منذ‭ ‬نونبر‭ ‬الماضي،‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الموقع‭ ‬منذ‭ ‬1991،‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬مصلحتها‭ ‬أن‭ ‬يكثر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تردي‭ ‬الوضع‭ ‬وعن‭ ‬عودة‭ ‬السلاح‭ ‬وعن‭ ‬مواكب‭ ‬القتلى‭ ‬المجروحين‭.. ‬إلخ‭ ‬إلخ‭.‬
والحال‭ ‬أن‭ ‬إصرارها‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬التأزيم‭ ‬وخرق‭ ‬الاتفاقات‭ ‬الأممية‭ ‬المؤطرة‭ ‬للوضع‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬يلتزم‭ ‬المغرب‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬وباتفاقياته‭ ‬الدولية‮…‬‭.‬
بالنسبة‭ ‬للمغرب،‭ ‬يمكن‭ ‬الاستئناس‭ ‬بقصاصة‭ ‬وكالة‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ “‬لاماب‭” ‬حول‭ ‬الموضوع،‭ ‬لكي‭ ‬نستشف‭ ‬الروح‭ ‬التي‭ ‬يتفاعل‭ ‬بها‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬الجلسة‭ ‬المغلقة،‭ ‬وهي‭ ‬روح‭ ‬الأفق‭ ‬المفتوح،‭ ‬حيث‭ ‬ركزت‭ ‬المصادر‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬النقاشات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬يطبعه‭ ‬الهدوء‭ ‬والتفاؤل‭ ‬لاستئناف‭ ‬المسلسل‭ ‬السياسي‭ ‬وبالثوابت‭ ‬الأممية‭ ‬أيضا،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬وصف‭ ‬مبادرة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬بها‭ ‬المغرب‭ ‬سنة‭ ‬2007،‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬باعتبارها‭ ‬مقترحا‭ ‬جديا‭ ‬وذا‭ ‬مصداقية،‭ ‬والإشادة‭ ‬بالالتزام‭ ‬المتواصل‭ ‬للمغرب‭ ‬باحترام‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭…‬والإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الهدوء‭ ‬الذي‭ ‬يسود‭ ‬الصحراء‭ . ‬
طبعا‭ ‬يبقى‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬محددا‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬تعتبر‭ ‬واشنطن‭ ‬فيها‭ ‬هي‭ ‬حاملة‭ ‬القلم،‭ ‬بالتالي‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬بدون‭ ‬إثارة‭ ‬الأسئلة‭.‬
لم‭ ‬يرشح‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬أمريكا،‭ ‬في‭ ‬ثاني‭ ‬جلسة‭ ‬حول‭ ‬الصحراء‭ ‬بعد‭ ‬جلسة‭ ‬أبريل،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬حاولت‭ ‬فيها‭ ‬تمرير‭ ‬نص‭ ‬يطالب‭ ‬بـ”تجنّب‭ ‬التصعيد‮”.‬‭ ‬وهذا‭ ‬المشروع‭ ‬رفضته‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬ولم‭ ‬يوافق‭ ‬عليه‭ ‬المغرب،‭ ‬الذي‭ ‬استشارته‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬الصياغة،‭ ‬وتم‭ ‬العدول‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬النهاية‮…‬‭.‬
للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬لم‭ ‬تتقدم‭ ‬أمريكا‭ ‬بنص‭ ‬بعد‭ ‬المشاورات،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬تسجيله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الجهود‭ ‬الخارقة‭ ‬التي‭ ‬بذلتها‭ ‬دول‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬ألمانيا‭ ‬وإسبانيا،‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الإسكندنافية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حث‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬الاعتراف‭ ‬لم‭ ‬تكلل‭ ‬بالنجاح،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬موضوع‭ ‬توتر‭ ‬بين‭ ‬عواصم‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وبين‭ ‬واشنطن‭.‬
وفي‭ ‬غياب‭ ‬تراجع‭ ‬تم‭ ‬التعويل‭ ‬عليه‭ ‬كثيرا،‭ ‬ينتطر‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬أمريكا‭ ‬دعم‭ ‬التوجه‭ ‬العام‭ ‬لمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬بخصوص‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬المتوافق‭ ‬عليه‭ ‬وعدم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر‭ ‬التي‭ ‬تريدها‭ ‬الجزائر‭ ‬والبوليزاريو‭…‬
في‭ ‬الأخير،‭ ‬كان‭ ‬لافتا‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬الجهات‭ ‬المساندة‭ ‬للبوليزاريو‭ ‬والجزائر،‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬مجموعة‭ ‬جنيف،‭ ‬والتي‭ ‬شنت‭ ‬هجوما‭ ‬حادا‭ ‬على‭ ‬غوتيريس‭ ‬وتقريره،‭ ‬وعلى‭ ‬فرنسا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وعلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬برمته‭.‬
ويستفاد‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬الهجوم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬المسارات‭ ‬التي‭ ‬سلكتها‭ ‬البوليزاريو‭ ‬ومن‭ ‬يسير‭ ‬سيرها‭ ‬قد‭ ‬منيت‭ ‬بالفشل،‭ ‬ولم‭ ‬تبق‭ ‬إلا‭ ‬الورقة‭ ‬الحقوقية‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يجعلوا‭ ‬منها‭ ‬حصان‭ ‬طروادة‭ ‬الأخير‭…‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 18/10/2021