مشهد ما بعد الحرب: جوع وبؤس وفوضى…

عبد الحميد جماهري

يحسن بالإنسان في الظروف الحالية ألا ينصت إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بخصوص شؤون العالم ومستقبل الدول الفقيرة.
وقد يكون من المفيد للصحة والمعنويات أن يكتفي بقراءة تصريحات الحكومات السابحة في الطمأنينة والسعادة
يبشرنا انطونيو غوتيريس أن 1,6 مليار شخص، قد تأثروا سلبا بالحرب الأوكرانية الروسية، وأن هذا الرقم مرشح للارتفاع..
بل ليزداد الأمر حدة وقساوة، على الأمن الغذائي، ستمس الناس أجمعين في كل أنحاء العالم وتكون البشرية عرضة لموجة غير مسبوقة من« الجوع والبؤس مخلفة فوضى اجتماعية واقتصادية «.
تنتقل الأزمة من درجة إلى أخرى أكثر صعوبة، وبعد أن يكون العالم قد مر بمرحلة صعوبة الوصول إلى مصادر الغذاء، سيستقر في مرحلة ما بعدها في وضع ندرة وشح الغذاء بمعنى آخر لن يكون هناك طعام لكي تكون هناك صعوبة الوصول إليه !…
وبمعنى آخر ثانيا، لن تكون المعادلة هي وجود الطعام مع صعوبة الحصول عليه، بل ستكون المعضلة في ندرته وقلته بشكل لا يغطي حاجيات العالم الذي سيواجه الجوع.
طبعا أينما يكون الجوع والبؤس تكون الفوضى، وتكون التوترات ويكون التصعيد الذي لا أحد يعرف مداه وخطورته..
قال غوتيريش إن “هناك طريقة واحدة فقط لوقف هذه العاصفة التي ترتسم: يجب وقف الغزو الروسي لأوكرانيا”.
لا حل سوى وقف الحرب..
ولكن الذين يخوضونها يصنفون أنفسهم من الدول التي لا تشكو من الجوع عادة…
والاتفاقات التي تتم بخصوص استيراد الحبوب من أوكرانيا أو مواد التخصيب والأسمدة من روسيا، لا يبدو أنها تجد البيئة الجيواستراتيجية الفضلى لكي تصبح نافذة وقابلة للتطبيق..
وعليه فإن الدول التي تنتمي إليها، إقليميا وجغرافيا وربما في الجغرافيا السياسية، ستكون عرضة للفوضى في حالة لم يتم تطبيق الاتفاق..
و”هذا الاتفاق ضروري لملايين الأشخاص في البلدان النامية بما في ذلك في إفريقيا جنوب الصحراء” يقول غوتيريش..
التقرير الأممي الثاني حول الحرب يتحدث عن »تعرض 94 دولة يقيم فيها حوالى 1,6 مليار نسمة بشكل خطير لبعد واحد على الأقل من الأزمة (التمويل أو الغذاء أو الطاقة) وهي عاجزة عن مواجهة ذلك«.
مع التأكيد :أنه في المستقبل لن يسلم أي بلد أو مجتمع من أزمة كلفة المعيشة«.
لن يسلم أي بلد.
نحن أيضا، أليس كذلك؟
لكن هذه الأضواء الحمراء والسوداء التي تظهر في لوحة القيادة، عالميا، لا يبدو أنها تثير قلق الحكومة عندنا، حيث تتمترس وراء نوع من الطمأنينة تعجز اللغة عن وصفها.
فالتقرير ينبئ أن »الحرب قد تزيد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بمقدار 47 مليون شخص في عام 2022 ليصل عددهم إلى 323 مليونا بحلول نهاية العام».
مشيرا إلى أن الفقر المدقع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “قد يشمل 2,8 مليون شخص إضافيين في عام 2022”. في جنوب آسيا »يتعرض 500 مليون شخص بشكل خطير للأبعاد الغذائية والمالية للأزمة، وهو وضع تفاقم بسبب موجات الحر الشديد التي تلحق الضرر بالمحاصيل في المنطقة«.
كل مؤشرات المشهد تهمنا..
ولا يمكن أن نجعل من غض الطرف، والعبارات الغامضة وتحميل الحرب المسؤولية، استراتيجية سياسية يمكن أن نواجه بها المستقبل الذي يعدنا بالمجاعة.
لنا مسافة سبق غير سهلة، كان ملك البلاد قد جعل منها مدخلا للمغرب السياسي الجديد، عندما جعل من السيادة الغذائية موضوع تفسير استراتيجي وطالب الحكومة بالانكباب على الموضوع.
المغرب ليس مسؤولا عن نفسه فقط، فهو.منذ عقد من الزمن، جعل نفسه محاميا صادقا عن إفريقيا، ووضع المسألة الغذائية والتنمية لخدمة الدول الباحثة عن نموذج يرضي شعوبها، مسلكا أخلاقيا وسياسيا..
وله أن يقدم المزيد من المجهودات للدول المهددة بالمجاعة والفوضى، بنفس مستوى مسؤوليته عن أبنائه.
يجدر بنا التذكير بأننا عادة لا نميز بين الحكومة والبقية من المؤسسات، عندما يتعلق الأمر بالوضع الوطني الشامل، وما نسجله عن الحكومة هو نابع من كونها المؤسسة الديموقراطية والدستورية التي تملك قوة القرار، يكون لقراراتها تأثير على الحياة اليومية، ومن مهمتها طمأنة الرأي العام بشيء آخر غير اللغة المرتاحة والبطيخة في البطن ..كما يقال في مصر.
ولحد الساعة لدينا أجوبة مبسترة وبعضها «سري« وأخرى لا تشفي الغليل..
وما زلنا في الجزء المتعلق بالطاقة والمحروقات، ولا نستبعد الغذاء في الأيام القادمة..
أمامنا امتحان بـ»قرون«، امتحان العيد والكبش وهلم جرا… وفيه تلتقي القدرة الشرائية واختبار النموذج الفلاحي وتدبير السوق ومستوى عيش المغاربة والحكومة الرشيدة…
أما الغرب الرأسمالي، صاحب حقوق التأليف في الحرب، فيتغذى بالبترول والغاز، لهذا لا يفرض حصارا ولا قيودا عليهما، مقابل محاربة وتقييد حركة الغذاء والأسمدة..
قمة الأنانية التي تتغطى بمعاداة العدوان الروسي..وقمة
التناقض الأخلاقي…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 15/06/2022