معبر الملك حسين: تجسير«الفجوة» بين السلطة وإسرائيل

عبد الحميد جماهري
دعت الحكومة الفلسطينية، أول أمس الأربعاء، لاجتماع قريب بين رئيسي الوزراء الفلسطيني والأردني، لحل أزمة المسافرين الفلسطينيين على معبر الكرامة (اللنبي – الملك حسين)، ويشهد المعبر الوحيد للضفة الغربية مع الأردن ازدحاما خانقا غير مسبوق بفعل تزايد أعداد المسافرين القادمين لموسم الحج وإجازات عيد الأضحى وعودة المغتربين والعطلة الصيفية، وتقول مصادر إعلامية متطابقة إن الآلاف من المسافرين أجبروا على المبيت بانتظار دورهم في العبور من المعبر الذي يخضع لثلاث سلطات، هي الأردنية والإسرائيلية والفلسطينية، وهو ما يبرز أهمية المجهود المغربي في مبادرة فتحه على مدار الساعة.
وقد نجحت الدبلوماسية المغربية في تجسير الفجوة بين السلطة الفلسطينية ودولة إسرائيل، عبر فتح معبر الملك حسين الرابط بين الضفة الغربية والأردن، ومن وراء المملكة الهاشمية، بقية العالم، فتحا من دون توقف، ولعلها المرة الأولى التي توافق فيها إسرائيل على فتح هذا الجسر بمداومة يومية وأسبوعية مفتوحتين، منذ عام 1967 .
العمل الذي قاده جلالة الملك محمد السادس، تم في هدوء، وفي السر، كما يجيد المغرب القيام بذلك، عبر فرق عمل مغربية أمريكية إسرائيلية فلسطينية، انتهى إلى تحقيق مطلب فلسطيني مهم، ما فتئت السلطة والإدارة العامة للمعابر والحدود، في شخص مديرها نظمي مهنا، تضعه على طاولة الحوار، عندما يكون هناك حوار مع السلطات الإسرائيلية…
ليس هناك أكثر ولا أفضل من الفلسطينيين ليقدروا هذه الخطوة ومعناها، سواء في جانبها المتعلق بالحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين أو من حيث تداعيات القرار على تزايد البرنامج التجاري لهذا الافتتاح بالشكل الذي يتم به، وآثاره في الرفع من أنشطة الاقتصاد الفلسطيني، تصديرا واستيرادا، غير أن الأهم في القرار هو خلفياته وسياقاته الراهنة.
من المقرر أن يشرع العمل بالصيغة المفتوحة ابتداء من نهاية شتنبر القادم، وكما من المتوقع أن تكون فرق العمل الرباعية التي اشتغلت بعيدا عن الأضواء وفي عزلة تامة قد وضعت خارطة طريق لقرارات أخرى، ولعل المبتغى منها هو إعداد قواعد جديدة تسمح للسلطة الفلسطينية بتواجد على الجسر، بما يشكل سابقة منذ اتفاق أوسلو وربما تحولا في أسلوب التعامل الإسرائيلي…
وإذا كان من السابق لأوانه الحديث بإسهاب عن هذه الشروط أوالنجاعة الممكنة له فإن السياق يتوجب الملاحظات التالية:
ـ تزامن الإعلان من طرف وزيرة النقل الإسرائيلي ميرفا ميكائيلي عن هذا القرار مع زيارة الرئيس الأمريكي »جو بايدن«، الذي حل برام الله في ضيافة رئيس السلطة الفلسطيني محمود عباس أبو مازن.
بالرغم من الحديث الإيجابي عن حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، وفي العيش الكريم، فلا بد من التنبيه إلى أن بايدن لم يخف تشاؤمه من المرحلة الحالية باعتبار أن »الظروف غير ناضجة لاستئناف العملية السياسية«، وعليه فإن القرار قد يشكل نقطة ارتكاز ممكنة كما قد يكون قاعدة لاختبار المرحلة وما يمكن أن تعطيه…
وفي سياق إقليمي يبدو مناهضا لمجهودات السلام، وترتيب الأولويات، حسب الاهتمامات المستجدة، بعيدة بهذا القدر أو ذاك عن جوهر الصراع في المنطقة، يمكن اعتبار القرار بارقة أمل في لوحة تميل إلى السواد.
ـ العنصر الثاني في السياق، يرتبط بنص البلاغ نفسه الذي عممته وزيرة النقل والمواصلات في دولة اسرائيل، وفيه
ـ شكر الملك محمد السادس وجو بادين على جهودهما في »دفعها« إلى اتخاذ القرار، وهو ما يسترعي الانتباه ويستوجب بعض إعمال التخمين في التحليل، لأنه نادرا ما تشكر دولة ما رؤساء دول »ساعدوها« على اتخاذ قرار هو من صميم سيادتها وصلاحياتها، اللهم إلا إذا كان المقصود منه الشكر على العمل من أجل إيجاد قواعد مشتركة مع السلطة الفلسطينية، ضمن المجهودات التي بذلتها المجموعة الرباعية التكوين…
ـ البلاغ أيضا يبدو امتدادا للاتفاق الثلاثي، الذي جمع المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، أي الأطراف الثلاثة المعنية بقرار استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وهو ما سمح بالعودة إلى ما سبق للملك محمد السادس أن أخبر به الرئيس الفلسطيني من أن «الانتصار للقضية الوطنية الصحراء المغربية لن يكون على حساب القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال، لا اليوم ولا غدا»، ويَعتِبر الكثير من المغاربة، الذين احتفوا بقرار فتح معبر اللنبي(الكرامة ـ الملك حسين) أن العاهل المغربي ذهب أبعد من المساواة بين القضيتين، حيث أنه وضع مكتسبات المغرب في قضيتهم الوطنية الأولى، الصحراء، في خدمة قضيتهم الوطنية الثانية، فلسطين.
لقد ظل مطلب فتح المعبر على جدول الأعمال، ويكون قد تحقق هذا المطلب بعد استيفاء الشروط اللوجيستيكية وما يرافقها من يد عاملة، كما أنه ظل من الإشارات المطلوبة لتقدير الموقف جديا، في حالة عودة العملية السياسية، وكان طوني بلير في تسعينيات القرن الماضي، وفي وقت سابق من عمل اللجنة الرباعية المكلفة بالسلام في المنطقة، قد اعتبر «أن فتح المعبر هو تعبير عن روح مقترح فرق العمل الرباعية بخصوص التغيير الانتقالي في الضفة الغربية«…
ختاما، من حق الفلسطيني أن يجوع ويتعب في البحث عن تذاكر السفر،عندما تسكت المدافع،كما قال محمود درويش في وقت ما من يوميات الحزن العادي، يوم كان القصف من المنابر وفي التظاهرات يسمع أكثر من القصف الفعلي للمدافع الحقيقية، ويكون على الفلسطيني التفكير في تأسيس تجربته الخاصة باستقلالية أكبر، وموثوقية أكبر للسفر والتنقل بِحرية، وأن يجد جسرا ليعبر إلى العالم عن طريق الأردن، طريق الجلجلة في حياته اليومية…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 22/07/2022