معمل قبو، معمل قبر

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
28 قبرا دفعة واحدة، هذا الموت نزل علينا مدرارا في طنجة!!!
جاء إلينا بأعماله الكاملة..
هكذا يتحدث
العمال في كفنهم.
ياعمال طنجة وعاملاتها اتحدوا في موت واحد
اشتركوا في بطاقة ذهاب واحدة..
لقد عاد الموت فرحا من شمالنا
إلى جنون اللوعة والنشيج..
لا فرق هنا، مع سيل المياه ومنابع الرشوة والفساد الاقتصادي – الإداري،
بين القبو والقبر..
يحدث ذلك دائما: كلما ابتز الرأسمال المتعفن الدولةَ
ولانَت له…
دفعت الثمن من أرواح أبنائها..
تتعلل المصيبة بما يلي: إذا كانت الأمور جيدة وقانونية، فلن يجد أحد منصب عمل!
هكذا يقول الرأسمال العفن.
وإذا كانت الأمور فاسدة، فسيعملون فُرادى وجماعات:
عليكم أن تختاروا بين الموت وبين القانون؟
قرب مقابرهم ..
لسنا في حاجة إلى الحياة،في نظر الرأسمال المتعفن .
والحقيقة التي لا تخفيها الرشوة، أنه كلما ابتز الرأسمال المتعفن الدولة
ولانتْ له، دفعت الثمن من أرواح أبنائها.…
حدث ذلك قبلاً
وسيحدث استقبالاً
ولا يمكن لدولة أن تعيش بالقطاع
غير المهيكل إلى الأبد،
وهي تغري المستثمرين من كل أنحاء العالم بمناخ الأعمال،
في حين يعشش الموت في سراديب عديدة ومتزايدة..
كوفيد، أظهر أن القطاع غير المهيكل لا تحد مساحاته، إذ كشف أن الاقتصاد كله غير مهيكل، وأن جزءاً من البلاد نفسها، غيرُ مهيكلٍ
ولا قانوني..
في هذه المخابئ السرية، عدوانا، عاملاتٌ وعمالٌ يحفظون الطريق نحو الموت، غيابيا.
لا تدمع العين التي لا ترى،
لا يتألم القلب الذي لا يسمع الأنين..
سوى الرشوة والفساد
والفقدان المزين بأسباب العيش، والمبرر بلغة الضرورة،
ككسرٍ لا بد من آلامه، لنشعر بكامل الأطراف..
كنا نفكر في الأعداء….
ونحن منتصرون في القارة وفي جهات الكون الأربعِ،
نسينا أن الأعداء،حتى الأعداءَ،لم يفعلوا فينا ما فعله الفساد
والرشوة وغض البصر…
وسِفاح المال الموبوء والسلطة الفاشلة !!!!
كل عمال وعاملات هنا، بروليتاريا مؤقتة … في الحياة،
إلى أن تمر عربة الفساد والرشوة وتجمعهم فرادى وجماعات.…
وستبكي البلاد. وتنسى الغشاشين.. كما تنسى امرأة هرمة أطيافها في ركن البيت..
سيؤلموننا من جديد، عندما يعلّلون موت الضحايا بشكل خاطئ،
ويقولون مبتسمين إن المطر كان مجنونا على غير عادته،
ووقع خطأ بسيط في تصريف المياه..
سيؤلموننا من جديد، عندما لن يدخل السجن أحد،
ولن يُقال من منصبه أحد ،
ولن يُستدعى إلى محكمة الضمير مفتشُ شغل
أو رب إدارة في المكان..
سيؤلموننا أشد الإيلام، وسنتركهم بلا عقاب
ونتفرغ لنذود عن بلادٍ ينخرونها من الداخل،
ويملأون بطون أبنائها ترابا وطينا ووحلا قُبيل موتهم..
ضع قلبك على حبل الغسيل، ولا تمسح دموع أحد.
ضع الذاكرة قرب النافذة، (ولا تستفتِ منهم فيهم أحدا).
ضع الذاكرة في مجرى المياه العادمة،
ثم قلِّب أوجاعك ما بين القبور.
اسمع من نفسك بكاءً مشابها لبكاء سابق
عندما احترقت أجساد
أخرى في معاملَ سريةٍ
قيل سرية يراها كل واحد منهم…
28 قبرا دفعة واحدة،
ولا يمكن مع ذلك أن نتحدث عن صراع الطبقات،
ولا عن البروليتاريا، اللهم َّإلا إذا مات أفرادها.. بطريقة لم ينصح بها كِتاب «الرأسمال»..
قل لقلبك أن يلطم وريدك
قل له أن يخبط صدرك …
ولا تطلب استقالة وزير
أو استقالة أحد..
فالموت في بلادك، ليس سببا كافيا كي يستقيل مسؤول ما..
28 قبرا دفعة واحدة!
هذا الموت، نزل علينا مدرارا في طنجة..
زحام كبير.. في مصعد الروح
في الطريق إلى رحمة لله
زحام كبير.. في شرايين القلب المتهدِّجة بالوجع..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 10/02/2021