مغاربة العالم: أين وصلت خطة الملك لتأهيل وضعهم؟
عبد الحميد جماهري
ما تراه عين المهاجر العائد وما لا تراه بعض النخب:
يكون الصيف فصلا مناسبا لمقياس التغيرات التي تحدث في البلاد، ليس بسبب العطلة والسياحة ومستوى العيش، فقط، بل لرصد التحولات الكبرى التي يمكن أن يقف عندها المهاجر، أو يقف عندها المقيم وهم ينصت إليه..
لا أحد غير العائدين يمكن أن يقيس حجم التغيرات التي طالت المورفولوجية الجغرافية الخاصة بالبلاد، ونقصد بها حجم الطرقات السيارة وغير السيارة، والسكك الحديدية، وأهمية الخطوط الجوية، المغربية وغير المغربية.
وعلى ضوء المتابعة الدقيقة لمجريات ما يرتبط بها اليوم يمكن أن نسجل تظلمات المهاجرين (تذاكر الطائرات مثلا) ، مديح الطرق السيارة. نوعية الطرق، وما أصبحت عليه السكك الحديدية اليوم وتقدير الموضوع لما تحقق ولما زال يقاوم بنفس عصي!
في المنطق نفسه يقيس المتتبع لتحولات المغرب، من هاته الزاوية، المجال الترابي الذي تمارس فيه السياسة! وفيه يتحدد الفضاء الذي ترسمه التزامات الدولة أو تظهر من خلاله الأعطاب السياسية.
أول هاته الملاحظات الطريقة والدقة التي تم بهما تجاوز الدولة للإكراهات الجغرافية في متابعة قضايا وتطورات المجال (يمكن أن تسأل أي مهاجر عن التغير الذي حصل بخصوص المناطق المعزولة في جهته بالريف كما في منحدره الأطلسي الذي كان إلى تاريخ قريب عقبة جبلية كبرى في وجه السياسات) ولعل من النتائج التي يخرج بها المحلل السياسي كما المهتم بالسوسيولوجيا السياسية هو أن الدولة لم تعد في حاجة إلى تدبير سياسي مخالف، ودراية تختلف عما هو عليه في المناطق التي لا تعاني من العزلة ..
التحول الثاني يهم الساكنة نفسها المقيمة في أطراف العالم والتي خلخلت، بشكل أو بآخر، من طبيعة العلائق الذاتية والشخصية التي ربطت دوما الدولة بالمواطنين، هناك اليوم قرابة 5 ملايين مغربي في الخارج، لا يمكن أن يخضعوا للتشبيك نفسه الذي يخضع له المغاربة في الداخل من حيث ربط علاقات «مُذوْتنة» subjectivisée مع الأفراد ما يسميه سوسيولوجيو التاريخ، بحكم الأفراد عوض حكم المجال، عن طريق العلائق الفردية البينية بين الدولة والزعامات المحلية (مازال بعضها يقاوم كذلك بناء على الاسم والامتداد العائلي والانتساب … إلخ ..)
والتحول الثالث والمهم وهو ما يسميه الطوزي(إعادة تعريف التراب المغربي)، وإعادة التعريف هذه تجعل منه ترابا أوسع وأكثر انتشارا، بل تجعل أفقه يتجاوز الحدود المتعارف عليها وطنيا للمغرب إلى حدود تحيي التراب الرمزي المتأمل في التراب الإمبراطوري، والذي يشمل الجهات كلها.
ولعل الإشارة إلى «الجهة 13» هي نوع من التعريف الدال في هذا الباب .. لا شيء يوازي قوة هذا الامتداد أكثر من إحياء الشبكات العالية التجارية والدينية التي وثقت العلاقة بين المغرب وعمقه الإفريقي لا سيما في غرب إفريقيا. والتي تعيد إلى الأذهان «المغرب الوسيط» عندما كان السلطان يسمى سلطان المغرب والسودان!
كما أن «الجهة 13» صارت أوسع جهة في المغرب، ما دامت منصتها تشمل كل مناطق تواجد المغاربة في العالم من كندا إلى أستراليا مرورا بأوروبا وآسيا وإفريقيا طبعا..
ولعل هذا الوجود، المرتبط باستمرار وبقوة بالمغرب، كما يتضح من خلال مؤشرات رياضية وأخرى مالية ودينية وعائلية إلخ، يعيد، بناء على ضوء التجربة المعيشة، تقنين الرباط من جديد، كما يفتح أبوابا نحو أنماط جديدة لفهم الوطنية والانتماء وفهم العلاقات الاجتماعية..
وعندما ننظر إلى المساهمة التي كانت لمغاربة الجهة 13 في الإنجازات الرياضية والتعريف ببلادهم، نجد أن قاموسهم اتسع باتساع المواطنة الثانية من العربية إلى الأمازيغية، مرورا بالألمانية والهولاندية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والفلامانية، حتى أن القنوات تطلب مترجمين كلما أرادت تعليقاتهم على المباريات التي أبدعوا فيها.
ولعل عددهم في مونديال روسيا وقطر وأولمبياد باريس يعطينا فكرة عن انخراطهم وتعبئتهم العاطفية لمغربيتهم.
كما أن مشاركة مغاربة العالم في التفكير الجماعي في البحث عن النماذج الناجحة للتنمية لم تمر بدون إثارة الانتباه، بدون الحديث عن الدرجات العالية في المدارس الدولية والحضور في المجالين العلمي والأدبي حتى صرنا ندعو إلى ترجمة الأدب المغربي للمغاربة …
المساهمات المادية الحاسمة في ظرفية المغرب الاقتصادية تفوق المتوقع حيث إن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج سجلت مستوى بلغ 115,3 مليار درهم سنة 2023 مقابل انخفاض أرباح المكتب الشريف للفوسفاط في 2023 بنسبة 49 % إلى 14.29 مليار درهم (بإيرادات 91.2 مليار درهم) وفي الوقت ذاته توقعت صادرات السيارات تحقيق 140 مليار دولار في سنة 2023 كعائدات، وبذلك تتموقع تحويلات المهاجرين كصمام أمان من بين الأقطاب الثلاثة الأولى في البلاد..
الانتماء الروحي والثقافي والوجداني والالتزام المادي والاقتصادي والاجتماعي يطرح سؤالا دقيقا مثلما قال الملك منذ سنتين: لابد أن نتساءل باستمرار: ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي، والسياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم ؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم ؟ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟وهل خصصنا لهم المواكبة اللازمة، والظروف المناسبة، لنجاح مشاريعهم الاستثمارية؟
الملاحظات التي تفرض نفسها هي أن:
– العديد منهم، مع الأسف، ما زالوا يواجهون العديد من العراقيل والصعوبات، لقضاء أغراضهم الإدارية، أو إطلاق مشاريعهم. وهو ما يتعين معالجته.
– حان الوقت لتمكين كفاءات عالمية، في مختلف المجالات، العلمية والاقتصادية والسياسية، والثقافية والرياضية، من المواكبة الضرورية، والظروف والإمكانات، لتعطي أفضل ما لديها، لصالح البلاد وتنميتها.
– الدعوة إلى إحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها.
– تحديث وتأهيل الإطار المؤسسي، الخاص بهذه الفئة وإعادة النظر في نموذج الحكامة، الخاص بالمؤسسات الموجودة، قصد الرفع من نجاعتها وتكاملها..
لا ننسى، بطبيعة الحال، المرتكز الدستوري في تحقيق مواطنتهم الكاملة، والتي هي موضوع نقاش وطني في المجال العمومي..
وهو سؤال أو خطوة عمل مازالت تنتظر بدون أفق لحد الساعة، اكتفت الصيغة العامة لقانون المالية للحكومة في الحديث عنه بجملة يتيمة فضفاضة وضبابية تقول فيها إنها «ستواصل تنفيذ تعهدات البرنامج الحكومي المتعقلة بالمغاربة المقيمين بالخارج وذلك من خلال الاستمرار في المشاريع الرامية إلى النهوض بأوضاعهم والدفاع عن حقوقهم الثقافية والتربوية والاجتماعية»، كما لو أن الأمر لا يفوق أن يكون تحسين العلاقة مع دول الاستقبال!!!!!!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 12/08/2024