مفارقة إسبانية: لا جدوى من الانتصار …وأما الهزيمة فلا!

عبد الحميد جماهري
انتهت الانتخابات التشريعية الإسبانية، ولم يحصل الاكتساح اليميني الذي بشرت به عرافات صناديق الاقتراع ودعت إليه أناشيد الويل والثبور لليسار،
ونتج عن الانتخابات التي تمت في الأحد 23 يوليوز مشهد سياسي بهوامش حادة…
بخصوص الحزب الشعبي بقيادة ألبرتو نونيز فيخو حصلت زيادة مهمة للغاية بالنسبة لانتخابات 2019، حيث انتقل من 89 مقعدا إلى ما يفوق 130 مقعدا، وهو ارتفاع كبير، ومقابله لم يندحر الحزب الاشتراكي العمالي، بل أضاف مقعدين إلى مقاعده المحصل عليها في 2019، بحيث انتقل من 120 إلى 122..
واتضح أن القوى اليسارية واليمينية على يمين أو يسار الاشتراكي والشعبي، لم تحسن نتائجها، وظلت متقاربة من حيث العدد بعد خسران المقاعد بهذا القدر أو ذاك.
كما اتضح أن الحزب الشعبي تغذى من تهاوي حليفه الطبيعي «فوكس»، الذي ولد من رحمه في زمن مضى، ليذهب بعيدا في مناهضته لأوروبا الاتحادية، ولمقاربات النوع، ودفاعه عن القيم المسيحية الفرانكاوية المحافظة جدا.
ويتضح أيضا بأن الحزب الشعبي، الذي هيأ نفسه لقيادة الحكومة القادمة ليس مطمئنا بالحصول عليها، لأن أمامه خيارات صعبة للغاية أولها تحالفه مع «فوكس».
وهذا الإخراج السياسي الذي سيضعه بعيدا عن أوروبا التي تقودها مدريد في هذه الولاية، وأيضا سيضعف من قيم أوروبا الليبرالية واليسارية الديموقراطية، كما سيجعل رابع اقتصاد في منطقة الأورو يخضع لاشتراطات اليمين المتطرف، كما حدث مع إيطاليا جورجيا ميلوني، وهو وضع لا يناسب الحزب الشعبي الذي لديه انتماء أوروبي واضح، ويملك في البرلمان الأوروبي أول فريق نيابي، قادر على التأثير..
المعلمة الثانية، هي أن تحالفهما معا لن يمنح الحزب الشعبي الطريق إلى الحكومة، وعليه في الحالة هاته أن يعول على حل من ثلاثة :
ـ العيش تحت نيران الأعداء، من الأحزاب القومية واليسارية الجهوية، مما يكفل قطيعة سياسية وإيديولوجية مع ركائز تأسيسه ووجوده في الساحة السياسية، كما أنه سيكون من حكم المستحيل أن توافق التيارات الصغيرة على مشاريعه السياسية، مع وجود فاصل إيديولوجي كبير بينهما..
ـ المراهنة على «تفهم» الحزب العمالي الإسباني بأن يسمح له بالمرور، وذلك بالامتناع عن التصويت عليه في البرلمان، وهذا أمر غير وارد، لا سيما وأن الحزب الشعبي محور الحملة الانتخابية على شيطنة بيدرو سانشيز.. وهي على كلٍّ، وضعية مفارقة.
ـ تصور لقاء الحزبين الكبيرين باستعادة المبادرة من طرفهما، وعدم ترك الحسم بيد الأحزاب الصغيرة، وهو أمر بعيد الاحتمال في الواقع وسيعني جمودا مطبقا في الحياة الإيبيرية ونهاية السياسة بها، وهو ما لا يغامر به أي كان إلى حد الساعة… ومن عناصر المفارقة أن هذين الحزبين تقل هوامش الخلاف بينهما في القضايا الجوهرية للدولة الإسبانية، بل إن الخلاف حتى في أقسى الملفات يقع غالبا في الأسلوب والطريقة أكثر من العمق السياسي للقرارات..
بيدرو سانشيز في الواقع لا يرى الفرق بين اليميني الشعبي واليميني «فوكس»، فهو يسميهما « الحاج موسى موسى الحاج»
«extrema derecha» y «derecha extrema»
بالنسبة للحزب العمالي وصديقنا بيدرو سانشيز، يبدو أن هوامش التحرك لديه واسعة.
كثيرون يرون سيناريو سابق يلوح في الأفق باعتبار أن سانشيز يحسن السباحة في الخلجان الضيقة ومع الأحزاب الصغرى، ولا شك أنه سينتظر تعيين الملك فيليبي السادس للحزب اليميني، وينتظر في الوقت نفسه عجزه عن تشكيل الحكومة، وسيقبل بذلك التحدي من أجل عودة حكومة تقدمية إلى سدة الحكم. وهو لحد الساعة يملك مجموعا حسابيا يخوله ذلك وسيبقي عليه، من بعد تفاوضه مع الكاتالونيين، والذين يشعرون بهشاشة وضعهم في تفاوض جدي، ولا يمكنهم أن يرفعوا سقف المفاوضات حتى وهم يصرحون بأنهم البديل الوحيد الذي يملكه سانشيز لقطع الطريق على «فوكس» اليميني المتطرف.
والواضح أن وصول بيدرو سانشيز إلى استحالة تشكيل الحكومة يعني الذهاب مجددا إلى صناديق الاقتراع، وهو سيناريو يناسب سانشيز وقيادة الحزب العمالي، لأنه صيغة أخرى لإثبات بأن الحساب بدونهم لا يكتمل في المعادلة الإسبانية، كما يعطيه الفرصة للتحرك بعيدا عن ضغط الوقت، ومع توازي «الفشل» مع اليميني الشعبي.
وهو عتبة انتصار للرئيس …العنقاء التي تقوم من رمادها!
على كل، لم يجْدِ اليمينَ انتصارُه في شيء، في حين تفتح الهزيمة الطريق واسعا أمام سانشيز للحكم أو إعادة الانتخابات، وهما أمران أحلاهما .. يساري!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 25/07/2023